الله أعظم من آية الكرسي فإنه ليس فيه اثبات ان آية الكرسي مخلوقة بل المراد انها أعظم من المخلوقات وهو كما يقول من يصف امرأة كاملة الفضل حسنة الخلق ما في الناس رجل يشبهها يريد تفضيلها على الرجال لا انها رجل وقال ابن بطال اختلفت ألفاظ هذا الحديث فلم يختلف في حديث ابن مسعود انه بلفظ لا أحد فظهر ان لفظ شخص جاء موضع أحد فكأنه من تصرف الراوي ثم قال على أنه من باب المستثنى من غير جنسه قوله تعالى وما لهم به من علم أن يتبعون الا الظن وليس الظن من نوع العلم (قلت) وهذا هو المعتمد وقد قرره ابن فورك ومنه اخذه ابن بطال فقال بعدما تقدم من التمثيل بقوله ان يتبعون الا الظن فالتقدير ان الاشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتها وان تناهت غيرة الله تعالى وان لم يكن شخصا بوجه واما الخطابي فبنى على أن هذا التركيب يقتضى اثبات هذا الوصف لله تعالى فبالغ في الانكار وتخطئة الراوي فقال إطلاق الشخص في صفات الله تعالى غير جائز لان الشخص لا يكون الا جسما مؤلفا فخليق ان لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفا من الراوي ودليل ذلك أن أبا عوانة روى هذا الخبر عن عبد الملك فلم يذكرها ووقع في حديث أبي هريرة وأسماء بنت أبي بكر بلفظ شئ والشئ والشخص في الوزن سواء فمن لم يمعن في الاستماع لم يأمن الوهم وليس كل من الرواة يراعى لفظ الحديث حتى لا يتعداه بل كثير منهم يحدث بالمعنى وليس كلهم فهما بل في كلام بعضهم جفاء وتعجرف فلعل لفظ شخص جرى على هذا السبيل ان لم يكن غلطا من قبيل التصحيف يعنى السمعي قال ثم إن عبيد الله بن عمرو انفرد عن عبد الملك فلم يتابع عليه واعتوره الفساد من هذه الأوجه وقد تلقى هذا عن الخطابي أبو بكر بن فورك فقال لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند فان صح فبيانه في الحديث الآخر وهو قوله لا أحد فاستعمل الراوي لفظ شخص موضع أحد ثم ذكر نحو ما تقدم عن ابن بطال ومنه اخذ ابن بطال ثم قال ابن فورك وانما منعنا من إطلاق لفظ الشخص أمور أحدها ان اللفظ لم يثبت من طريق السمع والثاني الاجماع على المنع منه والثالث ان معناه الجسم المؤلف المركب ثم قال ومعنى الغيرة الزجر والتحريم فالمعنى ان سعدا الزجور عن المحارم وانا أشد زجرا منه والله ازجر من الجميع انتهى وطعن الخطابي ومن تبعه في السند مبني على تفرد عبيد الله بن عمرو به وليس كذلك كما تقدم وكلامه ظاهر في أنه لم يراجع صحيح مسلم ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو ورد الروايات الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي أقدم عليها كثير من غير أهل الحديث وقد يقتضى قصور فهم من فعل ذلك منهم ومن ثم قال الكرماني لا حاجة لتخطئة الرواة الثقات بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات إما التفويض وإما التأويل وقال عياض بعد أن ذكر معنى قوله ولا أحد أحب إليه العذر من الله انه قدم الاعذار والانذار قبل اخذهم بالعقوبة وعلى هذا لا يكون في ذكر الشخص ما يشكل كذا قال ولم يتجه اخذ نفي الاشكال مما ذكر ثم قال ويجوز ان يكون لفظ الشخص وقع تجوزا من شئ أو أحد كما يجوز إطلاق الشخص على غير الله تعالى وقد يكون المراد بالشخص المرتفع لان الشخص هو ما ظهر وشخص وارتفع فيكون المعنى لا مرتفع ارفع من الله كقوله لا متعالي أعلى من الله قال ويحتمل ان يكون المعنى لا ينبغي لشخص ان يكون أغير من الله تعالى وهو مع ذلك لم يعجل ولا بادر بعقوبة عبده
(٣٣٩)