ألحن بحجته من بعض ومثله لمسلم من طريق أبي معاوية وتقدم البحث في المراد بقوله ألحن في ترك الحيل (قوله فأحسب أنه صادق) هذا يؤذن أن في الكلام حذفا تقديره وهو في الباطن كاذب وفي رواية معمر فأظنه صادقا (قوله فأقضي له بذلك) في رواية أبي داود من طريق الثوري فأقضي له عليه على نحو مما أسمع ومثله في رواية أبي معاوية وفي رواية عبد الله بن رافع اني انما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه (قوله فمن قضيت له بحق مسلم) في رواية مالك ومعمر فمن قضيت له بشئ من حق أخيه وفي رواية الثوري فمن قضيت له من أخيه شيئا وكأنه ضمن قضيت معنى أعطيت ووقع عند أبي داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذه وفي رواية عبد الله بن رافع عند الطحاوي والدارقطني فمن قضيت له بقضية أراها يقطع بها قطعة ظلما فإنما يقطع له بها قطعة من نار أسطاما يأتي بها في عنقه يوم القيامة والإسطام بكسر الهمزة وسكون المهملة والطاء المهملة قطعة فكأنها للتأكيد (قوله فإنما هي) الضمير للحالة أو القصة (قوله قطعة من النار) أي الذي قضيت له به بحسب الظاهر إذا كان في الباطن لا يستحقه فهو عليه حرام يؤل به إلى النار وقوله قطعة من النار تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى انما يأكلون في بطونهم نارا (قوله فليأخذها أو ليتركها) في رواية يونس فليحملها أو ليذرها وفي رواية مالك عن هشام فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار قال الدارقطني هشام وإن كان ثقة لكن الزهري أحفظ منه وحكاه الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري (قلت) ورواية الزهري ترجع إلى رواية هشام فان الامر فيه للتهديد لا لحقيقة التخيير بل هو كقوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال ابن التين هو خطاب للمقضى له ومعناه أنه أعلم من نفسه هل هو محق أو مبطل فإن كان محقا فليأخذ وإن كان مبطلا فليترك فان الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه * (تنبيه) * زاد عبد الله بن رافع في آخر الحديث فبكى الرجلان وقال كل منهما حقي لك فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم أما إذا فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحاللا وفي هذا الحديث من الفوائد اثم من خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئا هو في الباطل حرام عليه وفيه ان من ادعى مالا ولم يكن له بينة فحلف المدعى عليه وحكم الحاكم ببراءة الحالف أنه لا يبرأ في الباطن وان المدعي لو أقام بينة بعد ذلك تنافي دعواه سمعت وبطل الحكم وفيه أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير حقا في الظاهر ويحكم له به أنه لا يحل له تناوله في الباطن ولا يرتفع عنه الاثم بالحكم وفيه ان المجتهد قد يخطئ فيرد به على من زعم أن كل مجتهد مصيب وفيه ان المجتهد إذا أخطأ لا يلحقه اثم بل يؤجر كما سيأتي وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شئ وخالف في ذلك قوم وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم وفيه انه ربما أداه اجتهاده إلى أمر فيحكم به ويكون في الباطن بخلاف ذلك لكن مثل ذلك لو وقع لم يقر عليه صلى الله عليه وسلم لثبوت عصمته واحتج من منع مطلقا بأنه لو جاز وقوع الخطأ في حكمه للزم أمر المكلفين بالخطأ لثبوت الامر باتباعه في جميع أحكامه حتى قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية وبأن الاجماع معصوم من الخطأ فالرسول أولى بذلك لعلو رتبته والجواب عن الأول ان الامر إذا استلزم إيقاع الخطأ لا محذور فيه لأنه موجود في حق المقلدين فإنهم مأمورون باتباع المفتي والحاكم
(١٥٢)