ولو جاز عليه الخطأ والجواب عن الثاني أن الملازمة مردودة فان الاجماع إذا فرض وجوده دل على أن مستندهم ما جاء عن الرسول فرجع الاتباع إلى الرسول لا إلى نفس الاجماع والحديث حجة لمن أثبت انه قد يحكم بالشئ في الظاهر ويكون الامر في الباطن بخلافه ولا مانع من ذلك إذ لا يلزم منه محال عقلا ولا نقلا وأجاب من منع بأن الحديث يتعلق بالحكومات الواقعة في فصل الخصومات المبنية على الاقرار أو البينة ولا مانع من وقوع ذلك فيها ومع ذلك فلا يقر على الخطأ وانما الممتنع أن يقع فيه الخطأ أن يخبر عن أمر بأن الحكم الشرعي فيه كذا ويكون ذلك ناشئا عن اجتهاده فإنه لا يكون إلا حقا لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى الآية وأجيب بأن ذلك يستلزم الحكم الشرعي فيعود الاشكال كما كان ومن حجج من أجاز ذلك قوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم فيحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين ولو كان في نفس الامر يعتقد خلاف ذلك والحكمة في ذلك مع أنه كان يمكن اطلاعه بالوحي على كل حكومة أنه لما كان مشرعا كان يحكم بما شرع للمكلفين ويعتمده الحكام بعده ومن ثم قال انما أنا بشر أي في الحكم بمثل ما كلفوا به والى هذه النكتة أشار المصنف بإيراده حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة حيث حكم صلى الله عليه وسلم بالولد لعبد بن زمعة وألحقه بزمعة ثم لما رأى شبهه بعتبة أمر سودة ان تحتجب منه احتياطا ومثله قوله في قصة المتلاعنين لما وضعت التي لوعنت ولدا يشبه الذي رميت به لولا الايمان لكان لي ولها شأن فأشار البخاري إلى أنه صلى الله عليه وسلم حكم في ابن وليدة زمعة بالظاهر ولو كان في نفس الامر ليس من زمعة ولا يسمى ذلك خطأ في الاجتهاد ولا هو من موارد الاختلاف في ذلك وسبقه إلى ذلك الشافعي فإنه لما تكلم على حديث الباب قال وفيه ان الحكم بين الناس يقع على ما يسمع من الخصمين بما لفظوا به وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك وانه لا يقضى على أحد بغير ما لفظ به فمن فعل ذلك فقد خالف كتاب الله وسنة نبيه قال ومثل هذا قضاؤه لعبد بن زمعة بابن الوليدة فلما رأى الشبه بينا بعتبة قال احتجبي منه يا سودة انتهى ولعل السر في قوله انما أنا بشر امتثال قول الله تعالى قل انما انا بشر مثلكم أي في اجراء الاحكام على الظاهر الذي يستوي فيه جميع المكلفين فأمر ان يحكم بمثل ما أمروا أن يحكموا به ليتم الاقتداء به وتطيب نفوس العباد للانقياد إلى الاحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن والحاصل ان هنا مقامين أحدهما طريق الحكم وهو الذي كلف المجتهد بالتبصر فيه وبه يتعلق الخطأ والصواب وفيه البحث والآخر ما يبطنه الخصم ولا يطلع عليه الا الله ومن شاء من رسله فلم يقع التكليف به قال الطحاوي ذهب قوم إلى أن الحكم بتمليك مال أو إزالة ملك أو اثبات نكاح أو فرقة أو نحو ذلك أن كان في الباطن كما هو في الظاهر نفذ على ما حكم به وإن كان في الباطن على خلاف ما استند إليه الحاكم من الشهادة أو غيرها لم يكن الحكم موجبا للتمليك ولا الإزالة ولا النكاح ولا الطلاق ولا غيرها وهو قول الجمهور ومعهم أبو يوسف وذهب آخرون إلى أن الحكم إن كان في مال وكان الامر في الباطن بخلاف ما استند إليه الحاكم من الظاهر لم يكن ذلك موجبا لحله للمحكوم له وإن كان في نكاح أو طلاق فإنه ينفذ باطنا وظاهرا وحملوا حديث الباب على ما ورد فيه وهو المال واحتجوا لما عداه بقصة المتلاعنين فإنه صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين مع احتمال أن يكون الرجل
(١٥٣)