وليس في الأحاديث إشكال ولا فيها ضعيف بل الصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه وشربه قائما لبيان الجواز وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ وفعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز لا يكون في حقه مكروها أصلا فإنه كان يفعل الشئ للبيان مرة أو مرات ويواظب على الأفضل والامر بالاستقاءة محمول على الاستحباب فيستحب لمن شرب قائما أن يستقئ لهذا الحديث الصحيح الصريح فإن الامر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب وأما قول عياض لا خلاف بين أهل العلم في أن من شرب قائما ليس عليه أن يتقيأ وأشار به إلى تضعيف الحديث فلا يلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاءة لا يمنع من استحبابه فمن ادعى منع الاستحباب بالاجماع فهو مجازف وكيف تترك السنة الصحيحة بالتوهمات والدعاوي والترهات اه وليس في كلام عياض التعرض للاستحباب أصلا بل ونقل الاتفاق المذكور إنما هو كلام المازري كما مضى وأما تضعيف عياض للأحاديث فلم يتشاغل النووي بالجواب عنه وطريق الانصاف أن لا تدفع حجة العالم بالصدر فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلسا وقد عنعنه فيجاب عنه بأنه صرح في نفس السند بما يقتضي سماعه له من أنس فإن فيه قلنا لأنس فالاكل وأما تضعيفه حديث أبي سعيد بأن أبا عيسى غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني لأنه لم يرو عنه إلا قتادة لكن وثقه الطبري وابن حبان ومثل هذا يخرج في الشواهد ودعواه اضطرابه مردودة لان لقتادة فيه اسنادين وهو حافظ وأما تضعيفه لحديث أبي هريرة بعمر بن حمزة فهو مختلف في توثيقه ومثله يخرج له مسلم في المتابعات وقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما أشرت إليه عند أحمد وابن حبان فالحديث بمجموع طرقه صحيح والله أعلم قال النووي وتبعه شيخنا في شرح الترمذي إن قوله فمن نسي لا مفهوم له بل يستحب ذلك للعامد أيضا بطريق الأولى وإنما خص الناسي بالذكر لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبا الا نسيانا (قلت) وقد يطلق النسيان ويراد به الترك فيشمل السهو والعمد فكأنه قيل من ترك امتثال الامر وشرب قائما فليستقئ وقال القرطبي في المفهم لم يصر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم وإن كان جاريا على أصول الظاهرية والقول به وتعقب بان ابن حزم منهم جزم بالتحريم وتمسك من لم يقل بالتحريم بحديث علي المذكور في الباب وصحح الترمذي من حديث ابن عمر كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص أخرجه الترمذي أيضا وعن عبد الله بن أنيس أخرجه الطبراني وعن أنس أخرجه البزار والأثرم وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الترمذي وحسنه وعن عائشة أخرجه البزار وأبو علي الطوسي في الاحكام وعن أم سليم نحوه أخرجه ابن شاهين وعن عبد الله بن السائب عن خباب عن أبيه عن جده أخرجه ابن أبي حاتم وعن كبشة قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فشرب من قربة معلقة أخرجه الترمذي وصححه وعن كلثم نحوه أخرجه أبو موسى بسند حسن وثبت الشرب قائما عن عمر أخرجه الطبري وفي الموطأ أن عمر وعثمان وعليا كانوا يشربون قياما وكان سعد وعائشة لا يرون بذلك بأسا وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين وسلك العلماء في ذلك مسالك * أحدها الترجيح وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي
(٧٣)