(قوله تزاور تميل من الزور والأزور الأميل) (قلت) هو كلام أبي عبيدة قاله في تفسير سورة الكهف في قوله تعالى وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين أي تميل وهو من الزور يعني بفتح الواو وهو العوج والميل ثم ذكر ثلاثة أحاديث * أحدها حديث أبي شريح من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وقوله في الطريق الثانية حدثنا إسماعيل أنبأنا مالك مثله يعني بإسناده وقوله أو ليصمت ضبطه النووي بضم الميم وقال الطوفي سمعناه بكسرها وهو القياس كضرب يضرب وقد استشكل التخيير الذي في قوله فليقل خيرا أو ليصمت لان المباح إذا كان في أحد الشقين لزم أن يكون مأمورا به فيكون واجبا أو منهيا فيكون حراما والجواب عن ذلك أن صيغة أفعل في قوله فليقل وفي قوله ليسكت لمطلق الاذن الذي هو أعم من المباح وغيره نعم يلزم من ذلك أن يكون المباح حسنا لدخوله في الخير ومعنى الحديث أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليفكر قبل كلامه فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى محرم ولا مكروه فليتكلم وإن كان مباحا فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى المحرم والمكروه وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه * ثانيها حديث أبي هريرة فيه أورده من وجهين عنه وفي أحدهما ما ليس في الآخر وقد تقدم كل ذلك في باب إكرام الجار باختلاف ألفاظه وبيان المراد به قال الطوفي ظاهر الحديث انتفاء الايمان عمن قال ذلك وليس مرادا بل أريد به المبالغة كما يقول القائل ان كنت ابني فأطعني تهييجا له على الطاعة لا أنه بانتفاء طاعته ينتفي أنه ابنه * ثالثها حديث عقبة بن عامر قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب المظالم (قوله في حديث أبي شريح جائزته يوم وليلة) قال السهيلي روى جائزته بالرفع على الابتداء وهو واضح وبالنصب على بدل الاشتمال أي يكرم جائزته يوما وليلة (قوله والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة) قال ابن بطال سئل عنه مالك فقال يكرمه ويتحفه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة (قلت) واختلفوا هل الثلاث غير الأول أو بعد منها فقال أبو عبيد يتكلف له في اليوم الأول بالبر والالطاف وفي الثاني والثالث يقدم له ما حضره ولا يزيده على عادته ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة وتسمى الجيزة وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل ومنه الحديث الآخر أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وقال الخطابي معناه أنه إذا نزل به الضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يوما وليلة وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره فإذا مضى الثلاث فقد قضى حقه فما زاد عليها مما يقدمه له يكون صدقة وقد وقع في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح عند أحمد ومسلم بلفظ الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وهذا يدل على المغايرة ويؤيده ما قال أبو عبيد وأجاب الطيبي بأنها جملة مستأنفة بيان للجملة الأولى كأنه قيل كيف يكرمه قال جائزته ولا بد من تقدير مضاف أي زمان جائزته أي بره والضيافة يوم وليلة فهذه الرواية محمولة على اليوم الأول ورواية عبد الحميد على اليوم الأخير أي قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يوم وليلة فينبغي أن يحمل على هذا عملا بالروايتين انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله وجائزته بيانا لحالة أخرى وهي أن المسافر تارة يقيم عند من ينزل عليه فهذا لا يزاد على الثلاث بتفاصيلها وتارة لا يقيم فهذا يعطى ما يجوز به قدر كفايته يوما وليلة ولعل هذا أعدل الأوجه والله أعلم واستدل بجعل
(٤٤١)