ثلاث مرات على عادته في تكرير الشئ ثلاث مرات تأكيدا لينبه السامع على إحضار قلبه وفهمه للخبر الذي يذكره وفهم بعضهم منه أن المراد بقوله ثلاثا عدد الكبائر وهو بعيد ويؤيد الأول أن أول رواية إسماعيل بن علية في استتابة المرتدين أكبر الكبائر الاشراك وعقوق الوالدين وشهادة الزور ثلاثا وقد اختلف السلف فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر ومنها صغائر وشذت طائفة منهم الأستاذ أبو إسحق الأسفرايني فقال ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى الله عنه كبيرة ونقل ذلك عن ابن عباس وحكاه القاضي عياض عن المحققين واحتجوا بأن كل مخالفة لله فهي بالنسبة إلى جلالة كبيرة اه ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية فقال انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا المعاصي كلها كبائر وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها كما يقال القبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا وكلها كبائر قالوا ولا ذنب عندنا يغفر واجبا باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وأجابوا عن الآية التي احتج أهل القول الأول بها وهي قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه أن المراد الشرك وقد قال الفراء من قرأ كبائر فالمراد بها كبير وكبير الاثم هو الشرك وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد كقوله تعالى كذبت قوم نوح المرسلين ولم يرسل إليهم غير نوح قالوا وجواز العقاب على الصغيرة كجوازه على الكبيرة اه قال النووي قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة إلى القول الأول وقال الغزالي في البسيط إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه (قلت) قد حقق إمام الحرمين المنقول عن الأشاعرة واختاره وبين أنه لا يخالف ما قاله الجمهور فقال في الارشاد المرضي عندنا أن كل ذنب يعصي الله به كبيرة فرب شئ يعد صغيرة بالإضافة إلى الاقران ولو كان حق الملك لكان كبيرة والرب أعظم من عصى فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم ولكن الذنوب وأن عظمت فهي متفاوتة في رتبها وظن بعض الناس أن الخلاف لفظي فقال التحقيق أن للكبيرة اعتبارين فالبنسبة إلى مقايسة بعضها لبعض فهي تختلف قطعا وبالنسبة إلى الآمر الناهي فكلها كبائر اه والتحقيق أن الخلاف معنوي وإنما جرى إليه الاخذ بظاهر الآية والحديث الدال على أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر كما تقدم والله أعلم وقال القرطبي ما أظنه يصح عن ابن عباس أن كل ما نهى الله عز وجل عنه كبيرة لأنه مخالف لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر في قوله الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم وقوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فجعل في المنهيات صغائر وكبائر وفرق بينهما في الحكم إذ جعل تكفير السيئات في الآية مشروطا باجتناب الكبائر واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن (قلت) ويؤيده ما سيأتي عن ابن عباس في تفسير اللمم لكن النقل المذكور عنه أخرجه إسماعيل القاضي والطبري بسند صحيح على شرط الشيخين إلى ابن عباس فالأولى أن يكون المراد بقوله نهى الله عنه محمولا على نهي خاص وهو الذي قرن به وعيد كما قيد في الرواية الأخرى عن ابن عباس فيحمل مطلقه على مقيده جمعا بين كلاميه وقال الطيبي الصغيرة والكبيرة أمران نسبيان فلا بد من أمر يضافان إليه وهو أحد ثلاثة أشياء الطاعة أو المعصية أو الثواب فأما الطاعة فكل ما تكفره الصلاة مثلا
(٣٤٣)