قد يكون بالبعير فإذا خالط الإبل أو حككها وأوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه وكذا بالنظر نحو ما به قال وأما قوله لا عدوى فله معنى آخر وهو أن يقع المرض بمكان كالطاعون فيفر منه مخافة أن يصيبه لان فيه نوعا من الفرار من قدر الله المسلك الخامس أن المراد بنفي العدوي أن شيئا لا يعدى بطبعه نفيا لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدى بطبعها من غير إضافة إلى الله فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها ففي نهيه إثبات الأسباب وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئا وإن شاء أبقاها فأثرت ويحتمل أيضا أن يكون أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم أنه كان به أمر يسير لا يعدى مثله في العادة إذ ليس الجذمي كلهم سواء ولا تحصل العدوي من جميعهم بل (1) لا يحصل منه في العادة عدوى أصلا كالذي أصابه شئ من ذلك ووقف فلم يعد بقية جسمه فلا يعدي وعلى الاحتمال الأول جرى أكثر الشافعية قال البيهقي بعد أن أورد قول الشافعي ما نصه الجذام والبرص يزعم أهل العلم بالطب والتجارب أنه يعدي الزوج كثيرا وهو داء مانع للجماع لا تكاد نفس أحد تطيب بمجامعة من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به وأما الولد فبين أنه إذا كان من ولده أجذم أو أبرص أنه قلما يسلم وان سلم أدرك نسله قال البيهقي وأما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا عدوى فهو على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى وقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شئ من هذه العيوب سببا لحدوث ذلك ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد وقال لا يورد ممرض على مصح وقال في الطاعون من سمع به بأرض فلا يقدم عليه وكل ذلك بتقدير الله تعالى وتبعه على ذلك ابن الصلاح في الجمع بين الحديثين ومن بعده وطائفة ممن قبله المسلك السادس العمل بنفي العدوي أصلا ورأسا وحمل الامر بالمجانبة على حسم المادة وسد الذريعة لئلا يحدث للمخالط شئ من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة فيثبت العدوي التي نفاها الشارع وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد وتبعه جماعة فقال أبو عبيد ليس في قوله لا يورد ممرض على مصح إثبات العدوي بل لان الصحاح لو مرضت بتقدير الله تعالى ربما وقع في نفس صاحبها أن ذلك من العدوي فيفتتن ويتشكك في ذلك فأمر باجتنابه قال وكان بعض الناس يذهب إلى أن الامر بالاجتناب إنما هو للمخافة على الصحيح من ذوات العاهة قال وهذا شر ما حمل عليه الحديث لان فيه إثبات العدوي التي نفاها الشارع ولكن وجه الحديث عندي ما ذكرته وأطنب ابن خزيمة في هذا كتاب التوكل فإنه أورد حديث لا عدوى عن عدة من الصحابة وحديث لا يورد ممرض على مصح من حديث أبي هريرة وترجم للأول التوكل على الله في نفي العدوي وللثاني ذكر خبر غلط في معناه بعض العلماء وأثبت العدوي التي نفاها النبي صلى الله عليه وسلم ثم ترجم الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد اثبات العدوي بهذا القول فساق حديث أبي هريرة لا عدوى فقال أعرابي فما بال الإبل يخالطها الأجرب فتجرب قال فمن أعدى الأول ثم ذكر طرقه عن أبي هريرة ثم أخرجه من حديث ابن مسعود ثم ترجم ذكر خبر روى في الامر بالفرار من المجذوم قد يخطر لبعض
(١٣٥)