بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة روايته وقد نقل ابن الجوزي في الموضوعات عن القلاس أنه كذب حيانا المذكور وقال القرطبي وغيره ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمرا أقرر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه وهذا يدل على الاستحباب وكأن أصله قوله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما فلا ينفى الاستحباب بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحق وأصحاب الحديث وروى عن ابن عمر قال ما رأيت أحدا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما وهو قول مالك والشافعي وادعى بعض المالكية نسخهما فقال إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس فبين لهم بذلك وقت الجواز ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها وتعقب بأن دعوى النسخ لا دليل عليها والمنقول عن ابن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه و رواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم وهو منقطع ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة وسيأتي في أبواب التطوع أن عقبة بن عامر سئل عن الركعتين قبل المغرب فقال كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قيل له فما يمنعك الآن قال الشغل فلعل غيره أيضا منعه الشغل وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما وأما قول أبي بكر بن العربي اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم فمردود بقول محمد بن نصر وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحي بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال حسنتين والله لمن أراد الله بهما وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين وعن مالك قول آخر باستحبابهما وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه وقال في شرح مسلم قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة ومع ذلك فزمنهما زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها (قلت) ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر واستدل بحديث أنس على امتداد وقت المغرب وليس ذلك بواضح * (تنبيهان) * أحدهما مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة الإشارة إلى أن الصحابة إذا كانوا يبتدرون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب مع قصر وقتها فالمبادرة إلى التنفل قبل غيرها من الصلوات تقع من باب الأولى ولا يتقيد بركعتين إلا ما ضاهى المغرب في قصر الوقت كالصبح (الثاني) لم تتصل لنا رواية عثمان بن جبلة وهو بفتح الجيم والموحدة إلى الآن وزعم مغلطاي ومن تبعه أن الإسماعيلي وصلها في مستخرجه
(٩٠)