ثم يخطب بضم أوله على البناء للمجهول (قوله حين يجلس) بتشديد اللام المكسورة وحذف مفعوله وهو ثابت في رواية مسلم بلفظ يجلس الرجال بيده وكأنهم لما انتقل عن مكان خطبته أرادوا الانصراف فأمرهم بالجلوس حتى يفرغ من حاجته ثم ينصرفوا جميعا أو لعلهم أرادوا أن يتبعوه فمنعهم فيقوى البحث الماضي في آخر الباب الذي قبله (قوله فقالت امرأة واحدة منهن لم يجبه غيرها نعم) زاد مسلم يا نبي الله وفيه دلالة على الاكتفاء في الجواب بنعم وتنزيلها منزلة الإقرار وأن جواب الواحد عن الجماعة كاف إذا لم ينكروا ولم يمنع مانع من انكارهم (قوله لا يدري حسن من هي) حسن هو الراوي له عن طاوس ووقع في مسلم وحده لا يدري حينئذ وجزم جمع من الحفاظ بأنه تصحيف ووجهه النووي بأمر محتمل لكن اتحاد المخرج دال على ترجيح رواية الجماعة ولا سيما وجود هذا الموضع في مصنف عبد الرزاق الذي أخرجناه من طريقه كما في البخاري موافقا لرواية الجماعة والفرق بين الكلب أن في رواية الجماعة تعيين الذي لم يدر من المرأة بخلاف رواية مسلم ولم أقف على تسمية هذه المرأة إلا أنه يختلج في خاطري أنها أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه البيهقي والطبراني وغيرهما من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى النساء وأنا معهن فقال يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم فناديت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عليه فهلكنا لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير الحديث فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته أولا بنعم فإن القصة واحدة فلعل بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر كما في نظائره والله أعلم وقد روى الطبراني من وجه آخر عن أم سلمة الأنصارية وهي أسماء المذكورة أنها كانت في النسوة اللاتي أخذ عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الحديث ولابن سعد من حديثها أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق الآية (قوله قال فتصدقن) هو فعل أمر لهن بالصدقة والفاء سببية أو داخلة على جواب شرط محذوف تقديره إن كنتن على ذلك فتصدقن ومناسبته للآية من فقوله ولا يعصينك في معروف فإن ذلك من جملة المعروف الذي أمرن به (قوله ثم قال هلم) القائل هو بلال وهو على اللغة الفصحى في التعبير بها للمفرد والجمع (قوله لكن) بضم الكاف وتشديد النون وقوله فدا بكسر الفاء والقصر (قوله قال عبد الرازق الفتخ الخواتيم العظام كانت في الجاهلية) لم يذكر عبد الرزاق في أي شئ كانت تلبس وقد ذكر ثعلب أنهن كن يلبسنها في أصابع الأرجل أه ولهذا عطف عليها الخواتيم لأنها عند الإطلاق تنصرف إلى ما يلبس في الأيدي وقد وقع في بعض طرقه عند مسلم هنا ذكر الخلاخيل وحكى عن الأصمعي أن الفتخ الخواتيم التي لا فصوص لها فعلى هذا هو من عطف الأعم على الأخص وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن ويستحب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة وفيه خروج النساء إلى المصلى كما سيأتي في الباب الذي بعده وفيه جواز التفدية بالأب والأم وملاطفة العامل على الصدقة بمن يدفعها إليه واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافا لبعض المالكية
(٣٨٩)