يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى وحكى بعض أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب ويعكر عليه أن في الأحاديث الصحيحة أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في أخبار المدينة شوال إلى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث معاوية إلى مروان وهو عامله على المدينة أن يحمل إليه المنبر فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب وقال إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه فدعا نجارا وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ورواه من وجه آخر قال فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم وقال فزاد فيه ست درجات وقال إنما زدت فيه حين كثر الناس قال ابن النجار وغيره استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين منهن فاحترق ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرا فأزيل منبر المظفر فلم يزل ذلك إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد سنة عشرين وثمانمائة منبرا جديدا وكان أرسل في سنة ثمانين عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا شكر الله له صالح عمله آمين (قوله فعملها من طرفاء الغابة) في رواية سفيان عن أبي حازم من أثل الغابة كما تقدم في أوائل الصلاة ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء وقيل يشبه الطرفاء وهو أعظم منه والغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة جهة الشام وهي اسم قرية بالبحرين أيضا وأصلها كل شجر ملتف (قوله فأرسلت) أي المرأة تعلم بأنه فرغ (قوله فأمر بها فوضعت) أنث لإرادة الأعواد والدرجات ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم فعمل له هذا الدرجات الثلاث (قوله ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها) أي على الأعواد وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر (قوله وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى) لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبيرة وقد تبين ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم ولفظه كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة (قوله في أصل المنبر) أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه (قوله ثم عاد) زاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من صلاته (قوله ولتعلموا) بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي لتتعلموا وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل شيئا يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل وجواز العمل اليسير في الصلاة وكذا الكثير إن تفرق وقد تقدم البحث فيه وكذا في جواز ارتفاع الإمام في باب الصلاة في السطوح وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شئ جديد إما شكرا وإما تبركا وقال ابن بطال إن كان الخطيب هو
(٣٣١)