تقدم كلام بن دقيق العيد في ذلك في أوائل الباب الذي قبله قال ولعله ترجح كونه فيما بعد التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل ونازعه الفاكهاني فقال الأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين أي السجود والتشهد وقال النووي استدلال البخاري صحيح لأن قوله في صلاتي يعم جميعها ومن مظانه هذا الموطن (قلت) ويحتمل أن يكون سؤال أبي بكر عن ذلك كان عند قوله لما علمهم التشهد ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ومن ثم أعقب المصنف الترجمة بذلك (قوله باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب) يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر كما أشرت إليه لقوله في آخر حديث التشهد ثم ليتخير والمنفى وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء الذي لا يجب دعاء مخصوص وهذا واضح مطابق للحديث وأن كان التخيير مأمورا به ويحتمل أن يكون المنفى التخيير ويحمل الأمر الوارد به على الندب ويحتاج إلى دليل قال ابن رشيد ليس التخيير في آحاد الشئ بدال على عدم وجوبه فقد يكون أصل الشئ واجبا ويقع التخيير في وصفه وقال الزين بن المنير قوله ثم ليتخير وإن كان بصيغة الأمر لكنها كثيرا ما ترد للندب وادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب وفيه نظر فقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس ما يدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة المأمور بها في حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله وذلك أنه سأل ابنه هل قالها بعد التشهد فقال لا فأمره أن يعيد الصلاة وبه قال بعض أهل الظاهر وأفرط ابن حزم فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضا وقال ابن المنذر لولا حديث بن مسعود ثم ليتخير من الدعاء لقلت بوجوبها وقد قال الشافعي أيضا بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد وادعى أبو الطيب الطبري من أتباعه والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك واستدلوا على ندبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع وفيه نظر لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود راوي حديث الباب ما يقتضيه فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه بعد وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الكلب عنه وبعض أصحاب مالك وقال إسحق بن راهويه أيضا بالوجوب لكن قال إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه فقيل إن له في المسئلة قولين كأحمد وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عينها بعد التشهد لا قبله ولا فيه حتى لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء التشهد مثلا لم يجزئ عنده وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى (قوله ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) زاد أبو داود عن مسدد شيخ البخار فيه فيدعو به ونحوه النسائي من وجه آخر بلفظ فليدع به ولإسحاق عن عيسى عن الأعمش ثم ليتخير من الدعاء ما أحب وفي رواية منصور عن أبي وائل عند المصنف في الدعوات ثم ليتخير من الثناء ما شاء ونحوه لمسلم بلفظ من المسئلة واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما أختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة قال ابن بطال خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت
(٢٦٦)