لكونه في معناه ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه لأنه غاية الخضوع المطلوب منه فلذلك خص بالتنصيص عليه ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية وأما التقدم على الإمام في الخفض في الركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار من رواية مليح بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة مرفوعا الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ (قوله أو يجعل الله صورته صورة حمار) الشك من شعبة فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد ومسلم من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد فأما الحمادان فقالا رأس وأما يونس فقال صورة وأما الربيع فقال وجه والظاهر أنه من تصرف الرواة قال عياض هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه (قلت) لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل وظاهر الحديث يقتضى تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات وبذلك جزم النووي في شرح المهذب ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته وعن ابن عمر تبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهى يقتضى الفساد وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث قال ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب واختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام ويرجح هذا المجازى أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين لكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بد وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد ولا يلزم من التعرض للشئ وقوع ذلك الشئ قاله ابن دقيق العيد وقال ابن بزيزة يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معا وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك وسيأتي في كتاب الأشربة الدليل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة وهو حديث أبي مالك الأشعري في المغازي فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى ويقوى حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد أن يحول الله رأسه رأس كلب فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار ومما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور فلا
(١٥٤)