صادقون في الحكاية عنهم لوجب أن يقع لنا - معشر مخالفيكم - العلم الضروري بصحة ذلك حتى لا نشك فيه، كما وقع لكم صحة الحكاية عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وداود وغيرهم من فقهاء الأمصار برواية أصحابهم عنهم، فلما لم نعلم صحة ما تدعونه مع سماعنا لأخباركم وطول مجالستنا لكم دل على أنكم متخرصون في ذلك! وبعد فما بال كل من عددنا من فقهاء الأمصار قد استفاض عنهم القول في الفتيا استفاضة منعت من الريب في مذاهبهم، وأنتم أئمتكم أعظم قدرا من هؤلاء وأجل خطرا، لا سيما مع ما تعتقدون فيهم: من العصمة وعلوا المنزلة والفضل على جميع البرية، والبينونة من الخلق بالمعجزة وما اختصوا به من خلافة الرسول - عليه وآله السلام - وفرض الطاعة على الجن والأنس؟
وإن هذا لشئ عجيب!
قال الشيخ أدام الله عزه: فقلت له: إن الجواب عن هذا السؤال قريب جدا، غير أني أقلبه عليك، فلا يمكنك الانفصال منه إلا بإخراج من ذكرت من جملة أهل العلم ونفي المعرفة عنهم وإسقاط مقال من زعمت أنهم كانوا من أصحاب الفتيا، والعلم الضروري حاصل لكل من سمع الأخبار بضد ذلك وخلافه، وأنهم - عليهم السلام - كانوا من أجلة أهل الفتيا.
وذلك: أننا وإن كنا كاذبين على قولك فلا بد لهؤلاء القوم - عليهم السلام - من مقال في الفتيا يتضمن بعض ما حكيناه عنهم، فما بالنا معشر الشيعة، بل ما بالكم - معشر الناصبة - لا تعلمون مذاهبهم على الحقيقة بالضرورة، كما تعلمون مذاهب أهل الحجاز والعراق ومن ذكرت من فقهاء الأمصار؟ فإن زعمت أنك تعلم لهم في الفتيا مذهبا بخلاف ما نحكيه عنهم علم اضطرار - مع تديننا بكذبك في ذلك - لم نجد فرقا بيننا وبينك إذا ادعينا أننا نعلم صحة ما نحكيه عنهم بالاضطرار، وإنك وأصحابك تعلمون ذلك، ولكنكم تكابرون العيان، وهذا ما لا فصل فيه.