(192) شيخ من الشيعة وبعض المعتزلة قال المفيد - رحمه الله - في الكتاب المذكور - يعني الفصول -: سأل بعض المعتزلة شيخا من أصحابنا الإمامية وأنا حاضر في مجلس فيهم جماعة كثيرة من أهل النظر والمتفقهة. فقال له: إذا كان من قولك: إن الله عز وجل يرد الأموات إلى دار الدنيا قبل الآخرة عند القائم يشفي المؤمنين كما زعمتم من الكافرين وينتقم لهم منهم كما فعل ببني إسرائيل فيما ذكرتموه حيث تتعلق بقوله تعالى: " ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " فخبرني ما الذي يؤمنك أن يتوب يزيد وشمر و عبد الرحمن بن ملجم ويرجعوا عن كفرهم وضلالهم ويصيروا في تلك الحال إلى طاعة الإمام فيجب عليك ولايتهم والقطع بالثواب لهم! وهذا نقض مذاهب الشيعة.
فقال الشيخ المسؤول: القول بالرجعة إنما قلته من طريق التوقيف وليس للنظر فيه مجال، وأنا لا أجيب عن هذا السؤال، لأنه لا نص عندي فيه وليس يجوز لي أن أتكلف من غير جهة النص الجواب. فشنع السائل وجماعة المعتزلة عليه بالعجز والانقطاع.
فقال الشيخ - أيده الله -: فأقول أنا: إن عن هذا السؤال جوابين:
أحدهما: أن العقل لا يمنع من وقوع الإيمان ممن ذكره السائل، لأنه يكون إذ ذاك قادرا عليه ومتمكنا منه، ولكن السمع الوارد عن أئمة الهدى عليهم السلام بالقطع عليهم بالخلود في النار، والتدين بلعنهم والبراءة منهم إلى آخر الزمان منع من الشك في حالهم، وأوجب القطع على سوء اختيارهم، فجروا في هذا الباب مجرى فرعون وهامان وقارون، ومجرى من قطع الله عز وجل على خلوده في النار، ودل القطع على أنهم لا يختارون أبدا الإيمان ممن قال الله تعالى: " ولو