فبلغ ذلك الأسلع، فأقبل إلى معاوية كالمبشر له، فقال له: أفرخ روعك يا أمير المؤمنين، قد استجيبت دعوتك في ابنة الشريد، وقد كفيت شر لسانها.
قال: وكيف ذلك؟ قال مرت بحمص فقتلها الطاعون، فقال له معاوية:
فنفسك فبشر بما أحببت، فإن موتها لم يكن على أحد أروح منه عليك، ولعمري! ما أنصفت منها حين أفرغت عليك شؤبا وبيلا، فقال الأسلع:
ما أصابني من حرارة لسانها شئ إلا وقد أصابك مثله أو أشد منه (1).
(264) امرأة من بني ذكوان عند معاوية عن خالد بن سعيد، عن رجل من بني أمية، قال: حضرت معاوية يوما وقد أذن للناس إذنا عاما، فدخلوا عليه لمظالمهم وحوائجهم، فدخلت امرأة كأنها قلعة ومعها جاريتان لها، فحدرت اللثام عن لون كأنما أشرب ماء الدر في حمرة التفاح، ثم قالت:
الحمد لله يا معاوية! الذي خلق اللسان فجعل فيه البيان، ودل به على النعم، وأجرى به القلم فيما أبرم وحتم، ودرأ وبرأ، وحكم وقضى، صرف الكلام باللغات المختلفة على المعاني المتفرقة، ألفها بالتقديم والتأخير، والأشباه والمناكر والموافقة والتزايد، فأدته الآذان إلى القلوب، وأدته القلوب إلى الألسن بالبيان، استدل به على العلم، وعبد به الرب، وأبرم به الأمر، وعرفت به الأقدار، وتمت به النعم، فكان من قضاء الله وقدره أن قربت زيادا وجعلت له بين آل سفيان نسبا، ثم وليته أحكام العباد، يسفك الدماء بغير حلها ولا حقها، ويهتك الحرم بلا مراقبة الله فيها، خؤون غشوم، كافر ظلوم، يتخير من المعاصي أعظمها، لا يرى لله وقارا ولا يظن أن له معادا، وغدا يعرض عمله في