بطل ما اعتمده هذا الخصم.
وأما الحديث الثاني: فظهور بطلانه أوضح من أن يخفى، وذلك: أنه قال فيه:
إن شابا قال له: ليس الحكم فيه ذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام على ما زعم الخصم: أصبت أنت وأخطأت، وهذا واضح السقوط على ما بيناه، لأنه لا يخلو، مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، أن يكون حكم بالخطأ مع علمه بأنه خطأ، أو يكون حكم بالخطأ وهو يظن أنه صواب، فإن كان حكم بالخطأ على أنه خطأ عاند في دين الله وضل بإقدامه على تغيير حكم الله، وهو صلوات الله عليه يجل عن هذه الرتبة، ولا يعتقد مثل هذا فيه الخوارج فضلا عمن دونهم في عداوته من الناصبة، وإن كان حكم بالخطأ وهو يظن أنه صواب، فكيف زال ظنه عن ذلك فانتقل عنه بقول رجل واحد لا يعضده برهان؟ فهذا ما لا يتوهم على أحد من أهل الأديان.
على أنه لو كان لهذا الحديث أصل أو كان معروفا عند أحد من أهل الآثار لكان الرجل مشهورا معروفا بالعين والنسب مشهور القبيلة والمكان، ولكان أيضا الحكم الذي جرى فيه هذا الأمر مشهورا عند الفقهاء ومدونا عند أصحاب الأخبار. وفي عدم معرفة الرجل وتعين الحكم وعدمه من الأصول دليل على بطلانه، كما بيناه.
على أن الأمة قد اتفقت عنه صلوات الله عليه أنه قال " ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله بيده على صدري وقال: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه، فما شككت في قضاء بين اثنين " وهذا مضاد لوقوع الخطأ منه في الأحكام، ومانع لدخول الشك عليه في شئ منها والارتياب.
وأجمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " علي مع الحق والحق مع علي، يدور حيثما دار " وليس يجوز أن يكون من هذا وصفه يخطئ في الدين أو يشك في الأحكام.