فقال له: الحمد لله على اعترافك على نفسك بالحق لغيرك! أفأرجع إلى بلادي؟ فقال: لا، فوالله إنك لواعظ قط! فقال له: فقل ما عندك بعد ذلك، فقال له: رأيت أن من تقدمني ظلم وغشم وجار واستأثر بفئ المسلمين وعلمت من نفسي أني لا أستحل ذلك وأن المؤمنين لا شئ يكون أنقص وأخف عليهم، فوليت.
فقال له: أخبرني لو لم تل هذا الأمر ووليه غيرك وفعل ما فعل من كان قبله أكان يلزمك من إثمه شئ! فقال: لا، فقال له: فأراك قد شريت راحة غيرك بتعبك وسلامته بخطرك؟ فقال له: إنك لواعظ قط! فقام ليخرج. ثم قال له: والله لقد هلك أولنا بأولكم، وأوسطنا بأوسطكم، وسيهلك آخرنا بآخركم! والله المستعان عليكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل (1).
(237) رجل مع عبد الملك عن الثمالي، قال: حدثني من حضر عبد الملك بن مروان وهو يخطب الناس بمكة، فلما صار إلى موضع العظة من خطبته قام إليه رجل، فقال له:
مهلا! مهلا! إنكم تأمرون ولا تأتمرون، وتنهون ولا تنتهون، وتعظون ولا تتعظون، أفاقتداء بسيرتكم أم طاعة لأمركم؟ فإن قلتم: اقتداء بسيرتنا، فيكف يقتدى بسيرة الظالمين؟ وما الحجة في اتباع المجرمين؟ الذين اتخذوا مال الله دولا وجعلوا عباد الله خولا. وإن قلتم: أطيعوا أمرنا واقبلوا نصحنا، فكيف ينصح غيره من لم ينصح نفسه؟ أم كيف تجب طاعة من لم تثبت له عدالة؟
وإن قلتم: خذوا الحكمة من حيث وجدتموها واقبلوا العظة ممن سمعتموها، فلعل فينا من هو أفصح بصنوف العظات وأعرف بوجوه اللغات منكم،