العرب ومتقدميهم في الشجاعة!.
فقال الشيخ أدام الله عزه: من أين حصل ذلك عندك؟ وبأي وجه عرفته؟.
فقال: الدليل على ذلك: أنه رأى قتال أهل الردة وحده في نفر معه، وخالفه على رأيه ذلك جمهور الصحابة، وتقاعدوا عن نصرته، فقال: أما والله، لو منعوني عقالا لقاتلتهم، ولم يستوحش من اعتزال القوم له، ولا ضعف ذلك نفسه ولا منعه من التصميم على حربهم، فلولا أنه كان من الشجاعة على حد يقصر الشجعان عنه: لما أظهر هذا القول عند خذلان القوم له.
فقال الشيخ أدام الله عزه: ما أنكرت على من قال لك: إنك لم تلجأ إلى معتمد عليه في هذا الباب، وذلك أن الشجاعة لا تعرف بالحس لصاحبها فقط ولا بادعائها، وإنما هي شئ في الطبع يمده الاكتساب، والطريق إليها أحد الأمرين: إما الخبر عنها من جهة علام الغيوب المطلع على الضمائر جلت عظمته فيعلم خلقه حال الشجاع وإن لم يبد منه فعل يستدل به عليها. والوجه الآخر:
أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله، كمبارزة الأقران ومقاومة الشجعان ومنازلة الأبطال والصبر عند اللقاء وترك الفرار عند تحقق القتال، ولا يعلم ذلك أيضا بأول وهلة ولا بواحدة من الفعل حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك اتفاقا أو على سبيل الهوج والجهل بالتدبير.
وإذا كان الخبر عن الله سبحانه بشجاعة أبي بكر معدوما وكان هذا الفعل الدال على الشجاعة غير موجود للرجل فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله ليس من دلالتها في شئ عند أحد من أهل النظر والتحصيل؟ لا سيما ودلائل جبنه وهلعه وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل، وذلك أنه لم يبارز قط قرنا ولا قاوم بطلا ولا سفك بيده دما، وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله مشاهده، فكان لكل أحد من الصحابة