واضعا الأشياء في مواضعها، لكنهم انتهزوا الفرصة واقتحموا الغصة وباءوا بالحسرة.
قال: فأربد وجه الوليد وتغير لونه وغص بريقه وشرق بعبرته، كأنما فقئ في عينه حب المض الحاذق، فأشار عليه بعض جلسائه بالانصراف، وهو لا يشك أنه مقتول به! فخرج فوجد بعض الأعراب الداخلين. فقال له: هل لك أن تأخذ خلعتي الصفراء وآخذ خلعتك السوداء وأجعل لك بعض الجائزة حظا، ففعل الرجل.
وخرج الأعرابي، فاستوى على راحلته، وغاص في صحرائه، وتوغل في بيدائه. واعتقل الرجل الآخر فضرب عنقه! وجئ به إلى الوليد، فقال:
ليس هو هذا، بل صاحبنا! وأنفذ الخيل السراع في طلبه، فلحقوه بعد لأي، فلما أحس بهم أدخل يده إلى كنانته يخرج سهما سهما يقتل به فارسا، إلى أن قتل من القوم أربعين، وانهزم الباقون.
فجاءوا إلى الوليد فأخبروه بذلك، فأغمي عليه يوما وليلة أجمع! قالوا:
ما تجد؟ قال: أجد على قلبي غمة كالجبل من فوت هذا الأعرابي، فلله دره (1).
(235) رجل مع عبد الملك قال رجل لعبد الملك بن مروان: أناظرك وأنا آمن؟ قال: نعم.
فقال له: أخبرني عن هذا الأمر الذي صار إليك أبنص من الله ورسوله؟ قال: لا، قال: اجتمعت الأمة فتراضوا بك؟ فقال: لا، قال:
فكانت لك بيعة في أعناقهم فوفوا بها؟ قال: لا، قال: فاختارك أهل