وهذا في إبطال قول سوغ الاختلاف. وقال سبحانه: " ولا يزالون مختلفين إلا ما رحم ربك " فاستثنى المرحومين من المختلفين، ودل على أن المختلفين قد خرجوا بالاختلاف عن الرحمة، لاختصاص من خرج عن صفتهم بالرحمة، ولولا ذلك لما كان لاستثناء المرحومين من المختلفين معنى يعقل. وهذا بين لمن تأمله.
قال صاحب المجلس: أرى هذا الكلام كله يتوجه على من قال: " إن كل مجتهد مصيب " فما تقول فيمن قال: " إن الحق في واحد " ولم يسوغ الاختلاف؟
قال الشيخ رضي الله عنه: فقلت له: القائل بأن الحق في واحد وإن كان مصيبا فيما قال على هذا المعنى خاصة، فإنه يلزم المناقضة بقوله: " إن المخطئ في الحق معفو عنه غير مؤاخذ بخطئه فيه " واعتماده في ذلك على أنه لو أخذ به للحقه العنت والتضييق، فقد صار بهذا القول إلى معنى قول الأولين فيما عليهم المناقضة، وألزمهم من أجله ترك المباحثة والمكالمة، وإن كان القائلون بإصابة المجتهد من الحق يزيدون عليه في الإصابة معترف له ومقر بأنه مصيب في خلافه مأجور على مباينته، وهذه المقالة تدعو إلى ترك اعتقادها بنفسها ويكشف عن قبح باطنها وظاهرها. وبالله التوفيق (1).
(13) المفيد مع الخليفة عمر بن الخطاب قال الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله: رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت دائرة فيها ناس كثير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذه حلقة فيها رجل يقص.
فقلت: من هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب! ففرقت الناس ودخلت الحلقة، وإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشئ لم أحصله، فقطعت عليه الكلام.