قد قلت قولا صادقا غير كذب * إن غدا تهلك أعلام العرب؟
قال: لا تقل ذلك، فإنها مصيبة. قال معاوية: وأي نعمة أكبر من أن يكون الله قد أظفرني برجل قد قتل في ساعة واحدة عدة من حماة أصحابي، اضربوا عنقه، فقال: اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي ولكن قتلني على حطام الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله. فقال معاوية: قاتلك الله! لقد سببت فأبلغت في السب، ودعوت فبالغت في الدعاء (1).
(17) شداد بن أوس مع معاوية قال معاوية لشداد بن أوس: قم فاذكر عليا فانتقصه! فقام شداد، فقال:
الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده، وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا غيره، على ذلك مضى أولهم وعليه مضى آخرهم. أيها الناس، إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر، وإن الدنيا أكل حاضر يأكل منها البر والفاجر، وإن السامع المطيع لله لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لله لا حجة له، وإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا أراد الله بالناس خيرا استعمل عليهم صلحاءهم، وقضى بينهم فقهاؤهم، وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شرا عمل عليهم سفاؤهم، وقضى بينهم جهلاؤهم، وجعل المال عند بخلائهم، وإن من إصلاح الولاة أن تصلح قرناءها.
ثم التفت إلى معاوية، فقال:
نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق، وغشك من أرضاك بالباطل.
فقطع معاوية عليه كلامه وأمر بإنزاله، ثم لاطفه وأمر له بمال.