قال شيخنا: قلت: فخبرني الآن عن موضع المناظرة، أليس إنما هو التماس الموافقة ودعاء الخصم بالحجة الواضحة إلى الانتقال إلى موضع الحجة وتنفير له عن الإقامة ضد ما عليه البرهان؟
قال: لا، ليس هذا موضع المناظرة، وإنما موضوعها الإقامة للحجة والإبانة عن الرجحان. وما الذي يجرانه إلى ذلك والمعنى الملتمس به؟ أهو تبعيد الخصم عن موضع الرجحان والتنفير له عن المقالة بإيضاح حجتها، أم الدعوة إليها بذلك واللطف في الاجتذاب إليها به؟ فإن قلت: إن الغرض للمحتج التبعيد عن قوله بإيضاح الحجة عليه والتنفير عنه بإقامة الدلالة على صوابه، قلت قولا يرغب عنه كل عاقل، ولا يحتاج مع تهافته إلى كسره. وإن قلت: إن الموضع عن مذهبه بالبرهان داع إليه بذلك والدال عليه بالحجج والبينات يجتذب بها إلى اعتقاده صرت بهذا القول - وهو الحق الذي لا شبهة فيه - إلى ما أردناه: من أن موضوع المناظرة إنما هو الموافقة ورفع الاختلاف والمنازعة، وإذا كان ذلك كذلك، فلو حصل الغرض في المناظرة وما أجرى به إليه لارتفعت الرحمة وسقطت التوسعة وعدم الرفق من الله بعباده، ووجب في صفته العنت والتضييق، وذلك ضلال من قائله، فلا بد على أصلكم في الاختلاف من تحريم النظر والاحتجاج، وإلا فمتى صح ذلك وكان أولى من تركه فقد بطل قولكم في الاجتهاد، وهذا ما لا شبهة فيه على عاقل.
فاعترض رجل آخر من ناحية المجلس، فقال: ليس لي الغرض في المناظرة الدعوة إلى الاتفاق، وإنما الغرض فيها إقامة الفرض من الاجتهاد.
فقال له الشيخ رضي الله عنه: هذا الكلام كلام صاحبك هذا بعينه في معناه، وأنتما جميعا حائدان عن التحقيق والصواب.
وذلك: أنه لا بد في فرض الاجتهاد من غرض، ولا بد لفعل النظر من