البيعة له لموافقة لرضى الرب عز وجل، ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لإثم. ولعمري! إن لو كانت بيعتي بيعة محاباة لكان العباس ابني وسائر ولدي أحب إلى قلبي وأجلى في عيني، ولكن أردت أمرا وأراد الله أمرا، فلم يسبق أمري أمر الله.
وأما ما ذكرتم ما مسكم من الجفاء في ولايتي: فلعمري! ما كان ذلك إلا منكم بمظافرتكم عليه وممايلتكم إياه، فلما قتلته وتفرقتم عباديد، فطورا أتباعا لابن أبي خالد، وطورا أتباعا لا عرابي، وطورا أتباعا لابن شكله، ثم لكل من سل سيفا علي. ولولا أن شيمتي العفو وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحدا، فكلكم حلال الدم محل بنفسه.
وأما ما سألتم من البيعة للعباس ابني: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ويلكم! إن العباس غلام حدث السن ولم يونس رشده ولم يمهل وحده ولم تحكمه التجارب، تدبره النساء تكفله الإماء، ثم لم يتفقه في الدين، ولم يعرف حلالا من حرام إلا معرفة لا تأتي به رعية ولا تقوم به حجة، ولو كان مستأهلا قد أحكمته التجارب وتفقه في الدين وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا وصرف النفس عنها ما كان له عندي في الخلافة إلا ما كان لرجل من عك وحمير، فلا تكثروا في هذا المقال، فإن لساني لم يزل مخزونا عن أمور وأنباء كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف، علما بأن الله بالغ أمره ومظهر قضاه يوما.
فإذا أبيتم إلا كشف الغطاء وقشر العظاء، فالرشيد أخبرني عن آبائه وعما وجد في كتاب الدولة غيرها: أن السابع من ولد العباس لا تقوم لبني العباس بعده قائمة ولا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته، فإذا أودعت فودعاها، وإذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلا، وهيهات! ما لكم إلا السيف!
يأتيكم الحسني الثائر البائر فيحصدكم حصدا، أو السفياني المرغم، والقائم