باهتياج وإنما هما العقاب، ولفظ " أفعل " في أحب وأبغض لا يتوجه إلا إلى معناهما من الثواب والعقاب، ولا معنى على هذا الأصل لقول من زعم: أن أحب الخلق إلى الله عز وجل يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وآله توجه إلى محبة الأكل، والمبالغة في ذلك بلفظ " أفعل " لأنه يخرج اللفظ عما ذكرناه من الثواب إلى ميل الطباع، وذلك محال في صفة الله سبحانه.
وشئ آخر: وهو أن ظاهر الخطاب يدل على ما ذكرناه، دون ما عارضت به أن لو كانت المحبة على غير معنى الثواب، لأنه صلى الله عليه وآله قال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر " وقوله: " بأحب خلقك إليك " كلام تام، وبعده: " يأكل معي من هذا الطائر " كلام مستأنف ولا يفتقر الأول إليه، ولو كان أراد ما ذكرت لقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك في الأكل معي " فلما كان اللفظ على خلاف هذا وكان على ما ذكرناه لم يجز العدول عن الظاهر إلى محتمل على المجاز.
وشئ آخر: وهو أنه لو تساوى المعنيان في ظاهر الكلام لكان الواجب عليك تحميلهما اللفظ معا، دون الاقتصار على أحدهما، إلا بدليل، لأنه لا يتنافى الجمع بينهما، فيكون أراد بقوله: " أحب خلقك إليك " في نفسه وللأكل معي، وإذا كان الأمر على ما بيناه سقط اعتراضك.
فقال رجل من الزيدية - كان حاضرا - للسائل: هذا الاعتراض ساقط على أصلك وأصلنا، لأنا نقول جميعا: إن الله تعالى لا يريد المباح، والأكل مع النبي صلى الله عليه وآله مباح وليس بفرض ولا نفل فيكون الله يحبه، فضلا عن أن يكون بعضه أحب إليه من بعض. وهذا السائل من أصحاب أبي هاشم، فلذلك أسقط الزيدي كلامه على أصله، إذ كان يوافقه في الأصول على مذهب أبي هاشم.
فخلط السائل هنيئة، ثم قال للشيخ أدام الله عزه: فأنا أعترض باعتراض