فقال ابن عباس: إذا والله يقصر دونهما باعك ويضيق بهما ذراعك، ولو رمت ذلك لوجدت من دونهما فئة صدقا صبرا على البلاء يخيمون عن اللقاء، فلعركوك بكلاكلهم، ووطؤوك بمناسمهم، وأوجروك مشق رماحهم وشفار سيوفهم ووخز أسنتهم، حتى تشهد بسوء ما أتيت، وتتبين ضياع الحزم فيما جنيت، فحذار حذار من سوء النية، فتكافأ برد الأمنية، وتكون سببا لفساد هذين الحيين بعد صلاحهما، وسعيا في اختلافهما بعد ائتلافهما، حيث لا يضرهما إبساسك ولا يغني عنهما إيناسك.
فقال عبد الرحمن ابن أم الحكم: لله در ابن ملجم! فقد بلغ الأمل، وأمن الوجل، وأحد الشفرة وألان المهرة، وأدرك الثأر، ونفى العار، وفاز بالمنزلة العليا، ورقى الدرجة القصوى.
فقال ابن عباس: أما والله لقد كرع كأس حتفه بيده، وعجل الله إلى النار بروحه، ولو أبدى لأمير المؤمنين صفحته لخالطه الفحل القطم والسيف الخذم ولألعقه صابا، وسقاه سما، وألحقه بالوليد وعتبة وحنظلة، فكلهم كان أشد منه شكيمة، وأمضى عزيمة، ففرى السيف هامهم ورملهم بدمائهم، وقرى الذئاب أشلاءهم، وفرق بينهم وبين أحبائهم " أولئك حصب جهنم هم لها واردون " فهل " تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا " ولا غرو إن ختل، ولا وصمة إن قتل، فأنا لكما قال دريد بن الصمة:
فإنا للحم السيف غير مكره * ونلحمه طورا وليس بذي نكر يغار علينا واترين فيشتفى * بنا إن أصبنا أو نغير على وتر فقال المغيرة بن شعبة: أما والله لقد أشرت على علي بالنصيحة فآثر رأيه ومضى على غلوائه، فكانت العاقبة عليه، لا له، وإني لأحسب أن خلفه يقتدون بمنهجه.
فقال ابن عباس: كان والله أمير المؤمنين عليه السلام أعلم بوجوه الرأي