وبعث علي ابن عباس إليهم حتى آتاهم، فقال: لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك، فخرج إليهم حتى أتاهم، فأقبلوا يكلمونه، فلم يصبر حتى راجعهم، فقال: ما نقمتم من الحكمين وقد قال الله عز وجل: " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما "؟ فكيف بأمة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم؟ فقالت الخوارج: قلنا: أما ما جعل حكمه إلى الناس وأمر بالنظر فيه والاصلاح له فهو إليهم كما أمر به، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه، حكم في الزاني مائة جلدة، وفي السارق بقطع يده، فليس للعباد أن ينظروا في هذا.
قال ابن عباس: فإن الله عز وجل يقول: " يحكم به ذوا عدل منكم " فقالوا له: أو تجعل الحكم في الصيد والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين؟ وقالت الخوارج: قلنا له: فهذه الآية بيننا وبينك، أعدل عندك ابن العاص وهو بالأمس يقاتلنا ويسفك دماءنا؟ فإن كان عدلا فلسنا بعدول ونحن أهل حربه، وقد حكمتم في أمر الله الرجال، وقد أمضى الله عز وجل حكمه في معاوية وحزبه أن يقتلوا أو يرجعوا، وقبل ذلك ما دعوناهم إلى كتاب الله عز وجل، فأبوه. ثم كتبتم بينكم وبينهم كتابا وجعلتم بينكم وبينهم الموادعة والاستفاضة، وقد قطع الله عز وجل الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة إلا من أقر بالجزية (1).
ونقل ابن عبد البر في جامع بيان العلم والعمل (2) هذه المناظرة بوجه آخر قال: لما اجتمعت الحرورية يخرجون على علي، قال: جعل يأتيه الرجل فيقول: يا أمير المؤمنين القوم خارجون عليك. قال: دعوهم حتى يخرجوا.
فلما كان ذات يوم قلت: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة فلا تفتني حتى آتي القوم. قال: فدخل عليهم وهم قائلون، فإذا هم مسهمة ووجوههم من السهر وقد