أنفسكما وأسألكما فيئتكما وأستوهبكما رجعتكما، فوالله لو غالبني الناس ما انتصرت إلا بكما، ولو تهضموني ما تعززت إلا بكما، ولقد طال هذا الأمر بيننا حتى تخوفت أن يجوز قدره ويعظم الخطر فيه، ولقد هاجني العدو عليكما وأغراني بكما، فمنعني الله والرحم مما أراد، وقد خلونا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى جانب قبره، وقد أحببت أن تظهرا لي رأيكما في وما تنطويان لي عليه وتصدقا، فإن الصدق أنجى وأسلم وأستغفر الله لي ولكما.
قال ابن عباس: فأطرق علي عليه السلام وأطرقت معه طويلا. أما أنا فأجللته أن أتكلم قبله، وأما هو فأراد أن أجيب عني وعنه. ثم قلت له أتتكلم أم أتكلم أنا عنه؟ قال: بل تكلم عني وعنك.
فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت على رسوله، ثم قلت:
أما بعد، يا بن عمنا وعمتنا، فقد سمعنا كلامك لنا وخلطك في الشكاية بيننا على رضاك - زعمت - عن أحدنا ووجدك على الآخر، وسنفعل في ذلك فنذمك ونحمدك اقتداء منك بفعلك فينا، فإنا نذم مثل تهمتك إيانا على ما اتهمتنا عليه بلا ثقة إلا ظنا، ونحمد منك غير ذلك من مخالفتك عشيرتك، ثم نستعذرك من نفسك استعذارك إيانا من أنفسنا، ونستوهبك فيئتك استيهابك إيانا فيئتنا، ونسألك رجعتك مسألتك إيانا رجعتنا، فإنا معا أيما حمدت وذممت منا كمثلك في أمر نفسك، ليس بيننا فرق ولا اختلاف، بل كلانا شريك صاحبه في رأيه وقوله، فوالله ما تعلمنا غير معذرين فيما بيننا وبينك، ولا تعرفنا غير قانتين عليك، ولا تجدنا غير راجعين إليك، فنحن نسألك من نفسك مثل ما سألتنا من أنفسنا.
وأما قولك: لو غالبتني الناس ما انتصرت إلا بكما أو تهضموني ما تعززت إلا بعزكما، فأين بنا وبك عن ذلك؟ ونحن وأنت كما قال أخو كنانة:
بدا بحتر ما رام نال وإن يرم * نخض دونه غمرا من الغر رائمه