عليه من النفاق أضلعك، وعرف مقر سهمك في غرضك.
فاكفف غرب لسانك، واقمع عوراء لفظك، فإنك لمن أسد خادر وبحر زاخر، إن تبرزت للأسد افترسك، وإن عمت في البحر قمسك.
فقال مروان بن الحكم: يا ابن عباس، إنك لتصرف أنيابك وتوري نارك كأنك ترجو الغلبة وتؤمل العافية، ولولا حلم أمير المؤمنين عنكم لتناولكم بأقصر أنامله، فأوردكم منهلا بعيدا صدره، ولعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقه منكم، ولئن عفا عن جرائركم فقديما ما نسب إلى ذلك.
فقال ابن عباس: وإنك لتقول ذلك يا عدو الله، وطريد رسول الله، والمباح دمه، والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه وركوب أثباجه! أما والله لو طلب معاوية ثأره لأخذك به، ولو نظر في أمر عثمان لوجدك أولة وآخره.
وأما قولك لي: إنك لتصرف أنيابك وتوري نارك، فسل معاوية وعمرا يخبراك ليلة الهرير كيف ثباتنا للمثلاث، واستخفافنا بالمعضلات، وصدق جلادنا عند المصاولة، وصبرنا على اللاواء والمطاولة، ومصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة، ومباشرتنا بنحورنا حد الأسنة! هل خمنا عن كرائم تلك المواقف؟ أم لم نبذل مهجنا للمتالف؟ وليس لك إذ ذاك فيها مقام محمود، ولا يوم مشهود، ولا أثر معدود، وإنهما شهدا ما لو شهدت لأقلقك، فأربع على ضلعك، ولا تتعرض لما ليس لك، فإنك كالمغروز في صفد لا يهبط برجل ولا يرقى بيد.
فقال زياد: يا ابن عباس، إني لأعلم ما منع حسنا وحسينا من الوفود معك على أمير المؤمنين، إلا ما سولت لهما أنفسهما، وغرهما به من هو عند البأس سلمهما، وأيم الله لو وليتهما لأدأبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين أنفسهما ولقل بمكانهما لبثهما.