ومعاقد الحزم وتصريف الأمور من أن يقبل مشورتك فيما نهى الله تعالى وعنف عليه، قال سبحانه: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " إلى آخر الآية، ولقد وقفك على ذكر مبين وآية متلوة قوله تعالى: " وما كنت متخذ المضلين عضدا " وهل كان يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين وفئ المؤمنين من ليس بمأمون عنده ولا موثوق به في نفسه، هيهات! هيهات! هو أعلم بفرض الله وسنة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلا للتقية، ولات حين تقية مع وضوح الحق وثبوت الجنان وكثرة الأنصار، يمضي كالسيف المصلت في أمر الله، مؤثرا لطاعة ربه والتقوى على آراء أهل الدنيا.
فقال يزيد بن معاوية: يا ابن عباس، إنك لتنطلق بلسان طلق تنبئ عن مكنون قلب حرق، فاطو ما أنت عليه كشحا، فقد محي ضوء حقنا ظلمة باطلكم.
فقال ابن عباس: مهلا يزيد! فوالله ما صفت القلوب لكم منذ تكدرت بالعداوة عليكم، ولا دنت بالمحبة إليكم مذ نأت بالبغضاء عنك، ولا رضيت اليوم منكم ما سخطت الأمس من أفعالكم، وإن تدل الأيام نستقض ما سد عنا ونسترجع ما ابتز منا كيلا بكيل ووزنا بوزن، وإن تكن الأخرى فكفى بالله وليا لنا ووكيلا على المعتدين علينا.
فقال معاوية: إن في نفسي منكم لحزازات يا بني هاشم! وإني لخليق أن أدرك فيكم الثار وأنفي العار، فإن دماءنا قبلكم وظلا متنا فيكم.
فقال ابن عباس: والله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أسدا مخدرة وأفاعي مطرقة، لا يفثؤها كثرة السلاح، ولا يعضها نكاية الجراح، يضعون أسيافهم على عواتقهم، يضربون قدما قدما من ناوأهم، يهون عليهم نباح الكلاب وعواء الذئاب، لا يفاتون بوتر، ولا يسبقون إلى كريم ذكر، قد وطنوا على الموت أنفسهم وسمت بهم إلى العلياء هممهم كما قالت الأزدية: