بلغ وأغرى، قال عثمان: يا ابن عباس، آلله إنك ما تعلم من علي ما شكوت منه؟ قال: اللهم لا، إلا أن يقول كما يقول الناس وينقم كما ينقمون، فمن أغراك به وأولعك بذكره دونهم؟ فقال عثمان: إنما آفتي من أعظم الداء الذي ينصب نفسه لرأس الأمر، وهو علي ابن عمك وهذا والله كله من نكده وشؤمه! قال ابن عباس: مهلا، استثن يا أمير المؤمنين، قل: إن شاء الله، فقال:
إن شاء الله.
ثم قال: إني أنشدك يا ابن عباس الإسلام والرحم، فقد غلبت وابتليت بكم، والله لوددت أن هذا الأمر كان صار إليكم دوني فحملتموه عني وكنت أحد أعوانكم عليه، إذا والله لوجدتموني لكم خيرا مما وجدتكم لي، ولقد علمت أن الأمر لكم ولكن قومكم دفعوكم عنه واختزلوه دونكم، فوالله ما أدري أدفعوه عنكم أم دفعوكم عنه؟.
قال ابن عباس: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنا ننشدك الله والإسلام والرحم مثل ما نشدتنا أن تطمع فينا وفيك عدوا وتشمت بنا وبك حسودا، إن أمرك إليك ما كان قولا، فإذا صار فعلا فليس إليك ولا في يديك، وإنا والله لنخالفن إن خولفنا ولننازعن إن نوزعنا وما تمنيك أن يكون الأمر صار إلينا دونك إلا أن يقول قائل منا ما يقوله الناس ويعيب كما عابوا. فأما صرف قومنا عنا الأمر فعن حسد قد والله عرفته، وبغي قد والله علمته، فالله بيننا وبين قومنا. وأما قولك: إنك لا تدري أدفعوه عنا أم دفعونا عنه فلعمري إنك لتعرف أنه لو صار إلينا هذا الأمر ما زدنا به فضلا إلى فضلنا ولا قدرا إلى قدرنا، وإنا لأهل الفضل وأهل القدر، وما فضل فاضل إلا بفضلنا، ولا سبق سابق إلا بسبقنا، ولولا هدينا ما اهتدى أحد ولا أبصروا من عمى ولا قصدوا من جور.
فقال عثمان: حتى متى يا ابن عباس يأتيني عنكم ما يأتيني؟ هبوني كنت بعيدا، أما كان لي من الحق عليكم أن أراقب وأن أناظر؟ بلى ورب الكعبة!