مخصوصة، وجاء به القرآن في أماكن محصورة، وقد ثبت أن الاستعارة ليست بأصل يجري في الكلام، ولا يصح عليها القياس، وليس يجوز لنا أن نعدل عن ظواهر القرآن وحقيقة الكلام إلا بدليل يلجئ إلى ذلك، ولا دليل في قوله تعالى: " فأنزل الله سكينته عليه " فنتعدى من أجله المكنى عنه إلى غيره.
وشئ آخر: وهو أن العرب إنما تستعمل ذلك إذا كان المعنى فيه معروفا والالتباس عنه مرتفعا، فتكتفي بلفظ الواحد عن الاثنين للاختصار ولأمانها من وقوع الشبهة والارتياب، فأما إذا لم يكن الشئ معروفا وكان الالتباس عند أفراده متوهما لم يستعمل ذلك، ومن استعمله كان عندهم ملغزا معميا، ألا ترى أن الله سبحانه لما قال: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها " علم كل سامع للخطاب أنه أرادهما معا مع ما قدمه من كراهة كنزهما المانع من إنفاقهما؟ فلما عم الشيئين بذكر ينتظمهما في ظاهر المقال بما يدل على معنى ما أخره من ذكر الإنفاق اكتفى بذكر أحدهما للاختصار.
وكذلك قوله تعالى: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها " وإنما اكتفى بالكناية عن أحدهما في ذكرهما معا لما قدمه في ذكرهما من دليل ما تضمنه الدلالة، فقال تعالى: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ". فأوقع الرؤية على الشيئين جميعا، وجعلهما سببا للاشتغال بما وقعت عليه منهما عن ذكر الله سبحانه والصلاة، وليس يجوز أن يقع الالتباس في أنه أراد أحدهما مع ما قدم من الذكر، إذ لو أراد ذلك لخلا الكلام عن الفائدة المعقولة، وكان العلم بذلك يجزي في الإشارة إليه.
وكذلك قوله سبحانه: " والله ورسوله أحق أن يرضوه " لما تقدم ذكر الله تعالى على التفصيل وذكر رسوله صلى الله عليه وآله على البيان، دل على أن الحق في الرضا لهما جميعا، وإلا لم يكن ذكرهما جميعا معا يفيد شيئا على الحد الذي قدمناه.