وآله قد منعهما هذه الفضيلة وأجلسهما معه علمنا أن ذلك لعلمه بأنهما لو تعرضا للقتال أو عرضا له لأفسدا إما بأن ينهزما أو يوليا الدبر كما صنعا يوم أحد وخيبر وحنين وكان يكون في ذلك عظيم الضرر على المسلمين ولا يؤمن وقوع الوهن فيهم بهزيمة شيخين من جملتهم، أو كانا من فرط ما يلحقهما من الخوف والجزع يصيران إلى أهل الشرك مستأمنين، أو غير ذلك من الفساد الذي يعلمه الله تعالى، ولعله لطف للأمة بأن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بحبسهما عن القتال.
فأما ما توهموه: من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما، فقد ثبت أنه كان كاملا وكانا ناقصين عن كماله، وكان صلى الله عليه وآله معصوما وكانا غير معصومين، وكان مؤيدا بالملائكة وكانا غير مؤيدين، وكان يوحى إليه وينزل القرآن عليه ولم يكونا كذلك، فأي فقر يحصل له مع ما وصفناه إليهما لولا عمي القلوب وضعف الرأي وقلة الدين؟!
والذي يكشف لك عن صحة ما ذكرته آنفا في وجه إجلاسهما معه في العريش قول الله سبحانه: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والفرقان " فلو يخلو الرجلان من أن يكونا مؤمنين أو غير مؤمنين، فقد اشترى الله عز وجل أنفسهما منهما بالجنة على شرط القتال المؤدي إلى القتل منهما لغيرهما أو قتل غيرهما لهما، ولو كان ذلك كذلك لما حال النبي بينهما وبين الوفاء بشرط الله عليهما من القتال، وفي منعهما من ذلك دليل على أنهما بغير الصفة التي يعتقدها فيهما الجاهلون، فقد وضح بما بيناه أن العريش وبال عليها ودليل على نقصهما وأنه بالضد مما توهموه، والمنة لله تعالى (1).