تكلم أبو بكر - بعد أن منع عمر عن الكلام - وحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر سابقة المهاجرين في التصديق بالرسول دون جميع العرب، وقال: " فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالرسول وهم أولياؤه، وعشيرته، وأحق الناس بهذا الامر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم "، ثم ذكر فضيلة الأنصار، وقال: " فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الامراء. وأنتم الوزراء ".
فقام الحباب بن المنذر، وقال: " يا معشر الأنصار أملكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم، وفي ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولا تختلفوا، فيفسد عليكم رأيكم، وينتقض عليكم أمركم. فان أبى هؤلاء إلا ما سمعتم، فمنا أمير ومنهم أمير ".
فقال عمر: هيهات! لا يجتمع اثنان في قرن... والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم. ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، وولي أمورهم منهم. ولنا بذلك على من أبى الحجة الظاهرة، والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته (1) إلا مدل بباطل أو متجانف لاثم أو متورط في هلكة.
فقام الحباب بن المنذر (2) وقال: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم، فاجلوهم عن هذه البلاد، وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحق بهذا الامر منهم، فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من لم يكن يدين به. انا جذيلها المحكك (3)