فقيل: هو ذا فسلم ثم قال: يا أمير المؤمنين إني أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا يحصى، وأني أظنك ستغتال فعلمني مما علمك الله. قال:
نعم يا شيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها، ومن غده شر يوميه فمحروم، ومن لم يبال بما رزئ من آخرته إذا أسلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى، ومن كان في نقص فالموت خير له، يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة ولها أهل، وإن الآخرة لها أهل عزفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا لا يتنافسون في الدنيا ولا يفرحون بغضارتها ولا يحزنون لبؤسها يا شيخ من خاف البيات قل لومه، وما أسرع الليالي والأيام في عمر العبد، فأخزن لسانك، وعد كلامك، يقل كلامك إلا بخير، يا شيخ أرض للناس ما ترضى لنفسك، وآت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك.
ثم أقبل على أصحابه فقال: أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى فبين صريع يتلوى وبين عابد ومعود، وآخر بنفسه يجود وآخر لا يرجى وآخر مسجى، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه وعلى أثر الماضي يصير الباقي. فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال: الهوى قال فأي ذل أذل قال الحرص على الدنيا قال:
فأي فقر أشد؟ قال: الكفر بعد الايمان قال: فأي دعوة أضل؟ قال الداعي بما لا يكون قال: فأي عمل أفضل؟ قال التقوى. قال: فأي عمل انجح؟ قال: طلب ما عند الله. قال: فأي صاحب شر؟ قال: المزين لك معصية الله. قال: فأي الخلق أشقى؟ قال من باع دينه بدنيا غيره. قال: فأي الخلق أقوى؟ قال الحليم. قال: فأي الخلق أشح؟ قال. من أخذ من المال من غير حله فجعله في غير حقه. قال: فأي الناس أكيس؟
قال من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده. قال. فمن أحلم الناس؟ قال. الذي لا يغضب قال: فأي الناس أثبت رأيا؟ قال: من لم يغره الناس من نفسه ولم تغره الدنيا بتشوقها قال فأي الخلق أحمق؟ قال: المغتر بالدنيا وهو يرى بما فيها من تقلب أحوالها قال:
فأي الناس أشد حسرة قال الذي حرم الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين قال: فأي الخلق أعيى؟ قال: الذي عمل لغير الله يطلب بعمله الثواب من عند الله عز وجل، قال:
فأي القنوع أفضل؟ قال القانع بما أعطاه الله. قال: فأي المصائب أشد؟ قال: المصيبة