العلم والعمل مما خلقنا منه فلذلك يقبل الحق ويستقر فيه، وخلق أبدانهم من دون ذلك لقصور ما في قوتهم العملية وقواهم الجسمانية بالنسبة إلى قوتنا وقوانا فوضع كلا في المقام اللائق به.
لا يقال خلق قلوب شيعتهم مما خلق قلوبهم منه يقتضى المماثلة في القوة النظرية وليس كذلك.
لأنا نقول استكمال القوة النظرية كما يكون من جهة التأثر من المفيض كذلك يكون من جهة التأثير في القوى الجسمانية والادراكات والصفات الحاصلة للنفس المدبرة من هذه الجهة، وفي نفس الشيعة وان استكملت نقص ما في التأثير بالنسبة إلى نفوسهم القدسية الكاملة من كل وجه والنقص فيه يوجب النقص في التأثر أيضا وذلك يوجب عدم المساواة بينهما في القوة المذكورة.
قوله: (لأنها خلقت مما خلقنا) ضرورة ان تولدها منه وفرعيتها له وربطها به مقتضية لميلها إليهم وحبها لهم كما يجب الولد والده ويميل إليه.
قوله: (ثم تلا هذه الآية (كلا ان كتاب الأبرار لفى عليين») لعل المرادان المكتوب للأبرار وهم المؤمنون مطلقا من الافعال الخيرية والاعمال الصالحة لفي عليين وهو ديوان اعمال الصالحين وصحائف أفعال المتقين، ثم قال تفخيما لشأنه (وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم» أي مكتوب أو معلم بعلامة يعلم من رآه أن فيه خيرا يشهده المقربون من الملائكة أي يحضرونه ويحفظونه أو يشهدون لهم ما فيه يوم القيامة، والغرض من تلاوة الآية هو الإشارة بتعظيم كتابهم إلى تعظيم شأنهم، ويحتمل أن يراد بعليين الحنة أو أشرف المراتب وأقربها من الله تعالى أو السماء السابعة وحينئذ لا بد من اعتبار الحذف في قولهم له (وما أدراك ما عليون» أي ما كتاب عليين. كما يحتمل أن يراد بكتاب الأبرار ما كتب وفرض لهم من الطينة وبعليين الجنة مع رعاية الحذف لكن كلا الاحتمالين بعيد والثاني أبعد.
قوله: (وخلق عدونا من سجين) عدوهم من أنكر ولايتهم أو ولاية أحدهم أو دفعهم عن مرتبتهم: والمراد بالسجين هنا جهنم أو واد فيها أو حجر في الأرض السابعة أو أبعد المراتب من الله تعالى، ولما كان عدوهم على صنفين صنف هم المقتدون في العداوة والشرور وصنف هم التابعون لهم فيها وكانت أو زار الأولين أكثر وأفخم، وعقوبتهم أشد وأعظم خلق أبدانهم وقلوبهم من أقبح الدركات، وخلق قلوب تابعيهم مما خلقوا منه وأبدانهم دون ذلك لوضع كل واحد في مرتبته.
قوله: (كلا ان كتاب الفجار لفي سجين) يظهر معناه بالنظر إلى ما سبق يخالفه فيجري فيه خلاف ما ذكر.