قوله: (وقال إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا) أن أريد بالخير توفيقه تعالى وهداياته الخاصة لحسن استعداد العبد فالإرادة على حقيقتها وان أريد به الايمان وتوابعه من الاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة يرد أنه تعالى أراد خير جميع العباد بهذا المعنى ويمكن دفعه بأن الإرادة حينئذ تعود إلى اعتبار كونه عالما بما في العبد من الميل إلى الخيرات والعزم على امتثال أو امره والاجتناب عن نواهيه، فإذا علم منه ذلك توجه إليه لطفه فيطيب روحه ونفسه عن الفضايح ويطهر جسده وقواه عن القبائح فلا يسمع شيئا من الخير الا عرفه وصدق به وعمل به وان كان من العمليات ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره وعرف قبحه وتركه، وهكذا يفعل الله بعباده إذا علم صدق نياتهم وحسن استعدادهم.
قوله: (الطينات ثلاث) الأولى طينة الأنبياء والمؤمنين المقرين بهم، والثانية طينة الكفرة والنواصب المنكرين المعاندين لهم، والثالثة طينة المستضعفين الذين لا يقرون بهم ولا يعاندونهم ، وهذا التقسيم باعتبار المخلوق منها، فلا ينافي ما مر في باب خلق أبدان الأئمة من أن الطينات عشرة لأن ذلك باعتبار مبدء الخلق، تأمل تعرف.
قوله: (والمؤمن من تلك الطينة) أي قلبه أم الأعم منه ومن البدن لأن المراد بتلك الطينة طينة الجنة وهي تشملها إلا ان الانبياء خلقت قلوبهم وأبدانهم من صفوتها، أو خالصها، وأما أرواحهم فمن فوق ذلك كما مر، وهم الأصل في الايجاد والمقصودون أصالة في خلق هذا النوع ولهم فضلهم في العلم والعمل والتقدم والتقرب التام بالحق وارشاد، والمؤمنون فرع الأنبياء وتلوهم في القصد والايجاد أبدانهم خلقت من طين لازب وهوم ثفل عين الأنبياء سمى به لأنه الزق وأصلب من الصفو المذكور، وأما قلوبهم فخلقت مما خلق من الأنبياء كما مر وكما لم يفرق الله تعالى بين الأنبياء وشيعتهم في الخلقة والطينة كذلك لا يفرق بينهما في الدنيا والآخرة لأن الفرع مع الأصل والتابع من المتبوع.
قوله: (وقال طينة الناصب من حماء مسنون) الحماء الطين الأسود والمسنون المتغير المنتن وهو طين سجين، وقد روى أن الله عز وجل خلق أرضا خبيثة سبخة منتنة، ثم فجر منها ماء أجاجا مالحا فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها، ثم نضب ذلك الماء عنها ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة الكفرة وأئمتهم.
قوله: (وأما المستضعفون فمن تراب) أن خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلال كما مزجت به طينة الأنبياء والمؤمنين، ولا بماء آسن أجاج كما مزجت به طينة الكافرين، فلا يكونون من هؤلاء ولا من هؤلاء ولله المشية فيهم إن شاء الله أدخلهم في رحمته وإن شاء أخرجهم منها.