يعود إلى الخير المحض وهو الإيمان، وبعضها يعود إلى الشر المحض وهو الكفر باختيارهما وأمرها حين كونها مجردات صرفة بأمر كما سيجيء ووقع معلومه مطابقا لمعلمه خلق للأول مسكنا وهو البدن من طينة عليين وخلق للآخر مسكنا من طينة سجين كما خلق للمؤمن جنة وللكافر نارا وذلك ليستقر كل واحد فيما يناسبه ويعود كل جزء إلى كله وكل فرع إلى أصله، ومن ههنا ظهر أن الخلق من الطينتين تابع للإيمان والكفر ومسبب عن العمل دون العكس فلا يستلزم الجبر ولا ينافي الاختيار ألا ترى أنه تعالى لما علم أن بين النبيين والمؤمنين اتصالا من وجه وانفصالا من وجه آخر لأن المؤمنين من طينة النبيين وخلق أبدانهم من دون ذلك لانحطاط درجتهم وشرفهم، فوضع كلا في درجته وانك إذا قررت لعبدك المطيع بيتا شريفا ولعبدك العاصي بيتا وضيعا صح ذلك عقلا وشرعا ولا يصفك عاقل بالظلم والجور إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فهو إنما يلزم لو انعكس الامر أو وقع التساوي، وبما قررنا تبين فساد توهم أن الايمان والفضل والكمال وأضدادها تابعة لطهارة الطينة وصفاتها، وخباثة الطينة وظلمتها، وهذا التوهم يوجب الجبر وبطلان الشرائع والتأديب والسياسة والوعد والوعيد نعود بالله منه.
* الأصل 2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن النضر بن شعيب، عن عبد الغفار الجازي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله جل وعز خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الكافر من طينة النار»; وقال: «إذا أراد الله عز وجل بعيد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئا المنكر إلا أنكره قال: وسمعته يقول: الطينات ثلاث: طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلا أن لا الأنبياء هم من صفوتها، هم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنين الفرع من طين لازب، كذلك لا يفرق الله عزوجل بينهم وبين شيعتهم، وقال: طينة الناصب من حماء مسنون; وأما المستضعفون فمن تراب، لا يتحول مؤمن عن إيمانه ولا نصب عن نصبه ولله المشيئة فيهم.
* الشرح قوله: (خلق المؤمن من طينة الجنة) قد أشرنا إلى أن المراد بالطينة ظاهرها وأن الله تعالى لما علم في الأزل من روح المؤمن طاعته ومن روح الكافر عصيانه خلق بدن كل واحد في هذه النشأة مما يعود إليه في النشأة الآخرة، وقال بعض شراح نهج البلاغة: الطينة إشارة إلى أصولهم وهي الممتزجات المنتقلة في أطوار الخلقة كالنطفة وما قبلها من موادها مثل النبات والغذاء وما بعدها من العلقة والمضغة والعظم والمزاج القابل للنفس المدبرة، وسيجئ توضيح ذلك في حديث المزن.