بنعمة من نعمه الدنيوية والأخروية جسمانية كانت أو روحانية والأول أفضل من الثاني لأنه تعالى استحق الأول بالذات والثاني بالغير. (إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة) أي كثرة أموال وأعوان في الدنيا وكثرة الاجر في الآخرة، ومن ثم قيل الصدقة ثمن نعيم الجنان وأجر خدم الخلد من الولدان (وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة) أي التواضع لله وللمؤمنين يوجب رفع قدر صاحبه في الدنيا لميل القلوب إلى محبته وتعظيمه وتوقيره وشغل الألسنة بحسن ذكره وثنائه وتشهيره في الآخرة بعلو المرتبة والاجر الجميل وسمو المنزلة والثواب الجزيل (وأن العفو يزيد صاحبه عزا) لأن من عرف بالعفو ساد وعظم وعز في الدنيا والآخرة. وقد روى نظيره من طرق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله».
* الأصل 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه.
* الشرح قوله: (فمن تواضع لله ورفعاه من تكبر وضعاه) دخل في التواضع لله الامتثال بأوامره ونواهية آدابه وأخلاقه والخشوع له عند ملاحظة عظمته وإظهار ذل النفس والعجز عند مشاهدة نعمته، ولعل المراد برفعهما ووضعهما الدعاء بالرفع والوضع أو اعلام سائر الملائكة بأن فلانا رفيع القدر وفلانا وضيع القدر. أو رفع روح المتواضع ووضع روح المتكبر عند الموت.
* الأصل 3 - ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أفطر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشية خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعس مخيض بعس فلما وضعه على فيه نحاه، ثم قال: شرابان يكتفى بأحدهما من صاحبه، لا أشربه ولا أحرمه ولكن أتواضع لله، فإن من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر خفضه الله ومن إقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذر حرمه الله ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله.
* الشرح قوله: (بعس مخيض بعسل) أي ممزوج والعسل - بالضم - القدح الكبير والجمع عساس ككتاب، والمخيض فعيل بمعنى مفعول من مخضت اللبن مخضا من باب قتل وفي لغة من بابي ضرب ونفع إذا إستخرجت زبده بوضع الماء فيه وتحريكه (لا أشرابه ولا أحرمه) دل على أن الاكتفاء بطعام واحد أولى من تناول الأطعمة الكثيرة الممزوجة وغيرها (ومن أكثر ذكر الموت