فيحمد الله تعالى على ما أعطاه وأنعمه مما منع عنه الفقير ويشكره بالظاهر والباطن وبأداء الحقوق المالية وينظر الفقير إلى الغني فيدعو ربه ويسأله أن يعطيه، والاختلاف في الغني والفقير فائدة أخرى هي انتظام أمورهم في التمدن والاجتماع، إذ لو كان كلهم غنيا لما خدم بعضهم بعضا، ولو كان كلهم فقيرا لما حصل نفع في مقابل الخدمة فيفضى ذلك إلى تركها وعلى التقديرين يلزم بطلان النظام وانقطاع النوع وفساد أسباب الحياة من الزارعة والخياطة والحياكة وغيرها من الصناعات الجزئية وكذلك اختبر المؤمن بالكفار وبالعكس لينظر المؤمن إلى الكافر فيحمده على ما هداه إليه ووفقه له، وينظر الكافر إلى المؤمن وحسن ظاهره وباطنه فيرجع عن الكفر ويتوب ولم يذكره لعدم الاغتناء بشأنه ولمال ذكر جملة من حكمة الابتلاء والاختبار على سبيل التفصيل أشار إلى البواقي على سبيل الاجمال بقوله «فلذلك خلقتهم لأبلوهم في السراء والضراء إلى آخره» لأن جلها بل كلها مندرج فيه كما يظهر بالتأمل.
قوله: (وأنا الله الملك القادر) أشار بلفظ الله إلى أنه كامل من جهة الذات والصفات الذاتية والفعلية لدلالته على أن كل ماله من الصفات على وجه الكمال فلا يكون خلقه على وجه الاختلاف عبثا لأن البعث نقص والنقص على الكمال من جميع الجهات محال وبلفظ ملك على أنه مسلط على جميع الممكنات فلا يعتريه العجز عن ايجاد ما أراد، فلو كانت الحكمة في غير الاختلاف لأراده بلا مانع ولما لم يرد علم أنها في الاختلاف، وبلفظ القادر إلى أنه ليس بموجب لا يقدر على ايجاد الضدين كالفقر والغنى والصحة والسقم وغير ذلك وهذه حكمة أخرى لاختيار الاختلاف وإلى أن فعله مسبوق بالإرادة، والفعل الإرادى لا يكون إلا لحكمة ومصلحة هذا القدر كاف في الاذعان بان الاختلاف في خلقه لا يخلو عن حكمة وإن لم يعلم تفاصيلها.
قوله: (ولى أن أضى) إشارة إلى أنه يجوز البداء في بعض المقدرات والمدبرات وقد مر في آخر كتاب التوحيد تفسير البداء ومواقع جوازه وهي ما لم يبلغ الامضاء الحتم مثلا إذا قدر صحة زيد أو سقمه أو غناه أو فقره أو طول عمره أو قصره تقديرا غير حتمي مشروطا بالتصدق أو صلة الرحم أو بعدمها جاز البداء والتغيير.
قوله: (وإنا الله الفعال لما أريد) وهو فعال لأنه يفعل كل ما يريده على وجه يريد بلا منازع ولا مدافع على وجه أحسن بحيث لو اجتمع العقلاء على أن يزيدوا أو ينقصوا طلبا لزيادة الحسن لما قدروا. ومن توهم امكان إلا حسن في بعض أجزاء العالم فهو غافل عن المصالح الكلية والجزئية، وفيه تنبيه على أن له الامضاء والتغيير والتقديم والتأخير تحقيقا لمعنى المبالغة في الفعل.
قوله: (لا أسأل عما أفعل) لأنه لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة، والحكيم على الاطلاق لا يسأل