دبرت ولي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت واقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر من ذلك ما قدمت وأنا الله الفعال لما اريد لا اسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما هم فاعلون.
* الشرح قوله: (يا رب ما أكثر ذريتي ولامر ما) تعجب في كثرتهم مع خفاء سببها وما في «أمر ما» صفة أي لامر أي أمر خلقتهم.
قوله: (قال آدم يا رب فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض) أي أعظم مقدارا وأعظم قدرا ورتبة فقوله «وبعضهم له نور إلى آخره» على الأول كالتأسيس وعلى الثاني كالتأكيد ومجمل ما في هذا الخبر أن آدم (عليه السلام) لما رأى اختلاف ذريته في غاية الكمال بحيث لا يكاد يشترك اثنان منهم في حال من الأحوال ولم يعلم سبب ذلك الاختلاف سأل عن سببه فأجابه عز شأنه بأنه خلقهم كذلك لأجل الابتداء، ثم عاد (عليه السلام) بأن خلقهم كذلك بوجب بينهم التنافر والتباعد والتباغض والتحاسد، وأن اتحادهم في جميع الأحوال يوجب رفع هذه المفاسد وتحقق نظامهم، والسؤال الأول نشأ من روحه القدسية الإلهية الناظرة في حقائق الأشياء وصفاتها ومنافعها ومضارها، والسؤال الثاني تكلف نشأ من قواه الجسمانية ومواده الطبيعية بتوهمات داثرة وخيالات باطلة، إذ التساوي في الغنى والفقر أو اللون أو المقدار أو الشكل أو العمر مثلا لا يوجب رفع المفاسد المذكورة بل يوجب رفع الحكمة والتكليف والابتداء وذلك نقص في العلم والتقدير والتدبير في ايجاد هذا النوع وابتدائهم إذ الابتلاء في صورة الاختلاف أشد وأعظم والامتثال بالتكليف حينئذ أرفع وأفخم والثواب المترتب عليهما أجل وأتم ألا يرى أن صبر الفقير على الفقر مع مشاهدة الغنى في غيره أعظم من صبره مع مشاهدة الفقر في جميع بنى نوعه ولذلك قيل «إذا عمت البلية طابت» وان ابتلاء الغنى بالشكر مع تحقق الفقر في غيره أعظم من ابتلائه مع تحقق الغنى في جميع بنى نوعه أذله على الشكر في صورة الأولى بواعث شتى وقس عليه جميع الأحوال المتقابلة.
قوله: (كذلك خلقهم) أي كون بعض الذر أعظم من بعض إلى آخرة خلقتهم لأبلوهم وفي بعض النسخ «لذلك» أي لأن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئا أو لا جل الاختلاف خلقتهم كما قال جل شأنه «لا يز الون مختلفين ولذلك خلقهم».
قوله: (تكلم فإن روحك من روحي) لعل المراد بالروح الأولى النفس الناطقة الناظرة إلى عالم الملك والملكوت، وبالروح الثانية جبرئيل (عليه السلام) لأنه روح الله الأمين ونسبته إليه تعالى ظاهرة و «من» حينئذ ابتدائية أو جود الله تعالى وفيضه على آدم وانما كان ذلك روحا لأنه مبدء كل حياة فهو الروح