الكلية التي بها قوام كل حياة، وحياة كل موجود ونسبته إليه أيضا ظاهرة و «من» حينئذ للابتداء أو للتبعيض أو ذاته المقدسة والمقصود أنه تعلى خلق روحه من عند ذاته المجردة بمجرد المشية بلا توسط مادة كالتراب ونحوه من المواد الجسمانية، والمراد بالكينونة الوجود وبالطبية المواد الجسمانية مثل الحواس الظاهرة والباطنة التي جعلت في الإنسان ليستعملها على القوانين العدلية ويستعين بها في السير إلى حضرة المقدس وكونها على خلاف وجوده تعالى ظاهر لتنزهه عن العالم الجسماني، وفيه تنبيه على أن التكلم قد يكون صوابا إذا كان المقتضى له هوا الروح المجردة وقد لا تكون إذا كان المقتضى هو الطبايع الجسمانية فإنه قد تقع في الغلط والتوهم الفاسد وقد وقع في السؤال المذكور كلا الامرين.
قوله: (فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد) لعله (عليه السلام) علم تفاوت الاعمال والأرزاق بالالهام، وأما ما سواهما من الأمور المذكورة علمه بالمشاهدة.
قوله: (وجلة واحدة) الجبلة بكسر الجحيم وسكون الباء وكسرها وشد اللام الخلقة ومنه قوله تعالى (والجبلة الأولين».
قوله: (قال الله عز وجل يا آدم بروحي نطقت) إضافة الروح إليه سبحانه للاختصاص باعتبار أنه من عالم الأمر وعالم المجردات الصرفة، ومن شأنها التحرك إلى طلب المجهولات فلذلك نطقت في هذا المقام عند رؤية الاختلاف العظيم في الذرية مع عدم العلم بسببه، وأما التكلف في السؤال بأن خلقهم على مثال واحد إلى آخر ما ذكر أنسب بنظامهم وأقرب في رفع الفساد بينهم فمستند إلى ضعف طبيعة ومعارضة قواه الجسمانية للقوة الروحانية وغلبتها بتوهم أن الاتحاد وغلبتها بتوهم أن الاتحاد في الأمور المذكورة موجب للاتحاد والألفة بينهم وهذا أمر مطلوب والحكمة تقتضى رعايته، وهذا التوهم فاسد لأن التماثل في الطبيعة يوجب زوال نظامهم وانقطاع نسلهم لأن التماثل يوجب اشتغالهم بصنعة واحدة من الصنايع الجزئية التي لها مدخل في النظام وبقاء النوع بخلاف الاختلاف فإنه يوجب اشتغال كل واحد بما يناسبه; ويستعد له من الصناعات فيتحقق النظام المشاهد وبقاء النوع التماثل في الفقر والغني وغيرهما لا يوجب عدم البغى و التحاسد التباغض وغيرها من المفاسد، وعلى تقدير ايجابه فهي حكمة لاقدر لها في جنب حكمة الاختلاف وهي ابتلاؤهم في مقام التكليف الموجب لرفعة مقاماتهم في الدار الآخرة.
قوله: (وأنا الخالق العليم) [كذا] تعريف الخبر باللام يفيد الحصر وفيه تنبيه على أنه لا ينبغي السؤال عنه في خلقه وايجاده للأشياء على ما هي عليه عند خفاء الحكمة بل يجب الاذعان بأن كل ما خلقه على أي وجه خلقه فهو أحكم وأتقن وأفضل وأحسن من غير ذلك الوجه لكونه خالقا