شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٣٣
قالوا: ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدخول، قال: قد أقلتكم فادخلوها، فلما دنوا وأصابهم الوهج، رجعوا فقالوا: يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا، فأمرهم بالدخول ثلاثا، كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر اولئك ثلاثا، كل ذلك يطيعون ويخرجون، فقال لهم: كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم: قال فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء، وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب الشمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين.
* الشرح قوله: (يعتريه النزق والحدة والطيش) الاعتراء رسيد وفرا گرفتن، النزق والنزوق بر جهيدن وجستى نمودن وشتاب كردن وپيشى گرفتن. والحدة بتشديد الدال تيز شدن وتندى نمودن والطيش تيز شدن وتندى نمودن ومنحرف شدن تير از شانه. وهذه المعاني متقاربة كلها من جهة الفساد في القوة الشهوية والغضبية.
قوله: (قال لا تقل حسن السمت فأن حسن السمت سمت الطريق) في الفائق: السمت أخذ النهج ولزوم المحجة، وسمت فلان طريق يسمت ويسمت يعنى من باب نصر وضرب ثم قالوا ما أحسن سمته أي طريقة التي ينتهجها في تحرى الحير والتزي بزى الطالحين، وفي المصباح السمت والطريق والقصد والسكنة والوقار والهيئة، ولما جاء السمت بمعنى الطريق (1)

1 - ولما جاء السمت بمعنى الطريق» الحديث مرسل وتوجيه الشارح تكلف ويشبه أن يكون المراد ببعض أصحابنا السياري أو أحد الأعاجم مثله قليل المعرفة بلسان العرب أو قليل الاهتمام به فزعم أن السمت منحصر في سمت الطريق وهو المعنى المشهور وكان المعنى الآخر غريبا لديه. وأما ما تضمن معناه من اختلاط الطينتين فالكلام فيه ما في أمثاله. وأعلم أن اختلاف النفوس في استعداداتها وصفاتها مما لا ينبغي أن ينكر بل هو محسوس ومروى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة» قال صدر - المتألهين (قدس سره) يتفاوت العقول والإدراكات والأشواق والإرادات بحسب اختلاف الطبايع والقوى والغرائز والجبلات فينزع بعضهم بطبعه إلى ما ينفر عنه الآخر ويستحسن بعضهم بهواه ما يستقبحه الثاني والعناية الإلهية اقتضت نظام الوجود على أحسن ما يتصور وأجود ما يمكن من التمام ولو تساوت الاستعدادات لفات الحسن والفضل في ترتيب النظام إلى آخر ما قال. ولا يخفى أن اختلافهم في ذلك لا ينافي اتفاقهم في قدرة فهم التكاليف واختيارهم في فعل الخير فهم متفقون فيما هو مناط التكليف ومختلفون في استعداد العلوم والصنايع ولا يلزم الاختلاف في الاستعداد ظلما وإنما يلزم الظلم أن يكونوا متفقين في التكليف مع الاختلاف في استعداد ولو فرض أن أحدا بلغ في البلادة إلى حد لا يعقل التكليف أصلا التزمنا برفع التكليف عنه كالمجانين. وقال صدر المتألهين في بعض كلامه فمن أساء عمله وأخطأ في اعتقاده فإنما ظلم نفسه بظلمة جوهره وسوء استعداده وكان أهلا للشقاوة في معاده، وإنما قصر استعداده وأظلم جوهره لعدم كونه أحسن مما وجد كما لا يمكن أن يلد القرد انسانا مثلا في أحسن صورة وأكمل سيرة، أقول بعد ما سبق منه (قدس سره) في الحاشية السابقة وغيرها من نفي الجبر وإثبات الاختيار وأن علم الواجب بما سيقع لا يوجب الجبر في فعل الإنسان كما لا يوجبه في فعل نفسه تعال وجب حمل ما ذكره أخيرا من شقاوة قاصري الاستعداد على النقص اللازم لكل ممكن عن ما فوقه من المراتب كنقص الدواب عن كمال الانسان فإنها لا تتألم بهذا النقص إذ لا تدركه والتألم فرع الادراك وليس عذابا لها جزاء على تقصيرها في امتثال تكاليفها وقد صرح هو بذلك في مواضع من كتبه. وقال أيضا: وكما لا تعترض على أقبح الناس أنه لم لا يكون مثل يوسف في الحسن كأبي جهل فكذلك لا تعترض على شر الناس كأبى جهل مثلا لم لا يكون مثل خير الناس كمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فان اختلاف الغرائز والشمائل كاختلاف الأشكال والطبايع إلى آخر ما قال، والتمثيل بأبي جهل الحاق في الموضعين والحق أنه لا يعترض على أبي جهل وأمثاله في نقصه العقلي وعدم وصوله في الكمال الذاتي إلى كمال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما يعترض عليه وعلى أمثاله بأنهم تنزلوا عما اعطوه من الفهم والعقل فصاروا كالانعام بل هأ أضل بعد أن كان فيهم ما به تفوقوا عليها.
وأعلم أن الإعتقاد بالقدر وأن كل شيء في هذا العالم مطابق لما ثبت في عالم آمر قبله من لوازم الإيمان بعالم الغيب ولذلك ترى الماديين والمائلين إليهم ينفونه وقال بعض الملاحدة: القدر للانسان هو الطريقة التي يختارها وكتابه هو الذي يحويه وجوده ويتتبع بيده أوراقه، والحق أن لا يتفحص عن سابقة له في عالم غير مرئي بل ليس هناك الأسيرة في هذا العالم المحسوس وهذا الذي ذكره أشنع من اعتقاد أبي جهل. (ش)
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست