(فيقولون كنا نصبر على طاعة الله ونصبر على معاصي الله) لا ريب في أن النفوس البشرية مائلة إلى اللذات، هاربة عن المشتقات، وأن المعاصي لذات حاضرة والطاعات مشقات ظاهرة فالنفس تريد المعاصي وتهرب عن الطاعة. ولذلك ورد في بعض الأدعية «اللهم لا تكلني إلى نفسه طرفة عين فإنك إن تكلني إلى نفسي أقرب إلى الشر وأبعد من اليخر» فمن حاولها بحسن تقديره وملك زمامها بلطف تدبيره حتى صرفا عن مرامها وإستخرجها عن مقامها وحبسها في مرابض العبادة ومرابط الطاعات وصبر على مجاهدتها ملك غنيمة عظيمة هي رأس مال الصابرين وأقوات قلوب السالكين والزاد في السير إلى رب العالمين وأسباب الدخول في الجنة التي أعدت للمتقين، وإليه أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) «إن الله جعل الطاعة غنيمة الأكياس عند تفريط الفجرة» وإنما جعل الطاعة غنيمة الأكياس وهم الذين لهم جودة القرائح لأنهم يأخذونها بالمحاربة مع النفس الإمارة كما يأخذ الغانمون الغنيمة بالجهاد مع الكفار بل جهادهم أعظم من الكفار كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد رجوعه من بعض الغزوات «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهي جهاد النفس» وإذا حصلت لهم تلك الغنيمة وتمكنت فيهم هذه العزيمة أمكن لهم الدخول في الجنة قبل فراغ الناس لهم تلك الغنيمة وتمكنت فيهم هذه العزيمة أمكن لهم الدخول في الجنة قبل فراغ الناس من الحساب لأن أولئك هم المتقون الذين صبروا في دار الدنيا وأدوا حسابهم فيها، وقد قال الله تعالى (إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب» لأن الحساب إنما هو على من خلط عملا صالحا واخر سيئا، وأما المتقون فلا حساب عليهم كما لا حساب على المشركين فإنهم يدخلون النار بغير حساب.
* الأصل 5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل.
* الشرح قوله: (لا يقل عمل مع تقوى) كل عمل بنى على التقوى لا يقل لكونه عظيما في ذاته وكثيرا ينمو عند الله تعالى مع توقفه على كثير من الأعمال القلبية التي لا توجد إلا بالمجاهدات النفسانية، ولا يهدم ولا يلحق بالنية الخسران كما قال عز وجل: (فمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم» ثم أكد ذلك وأشار إلى أنه لا ينبغي أن يعد قليلا بقوله:
(وكيف يقل ما يتقبل) لأن العمل مع التقوى مقبول قطعا لقوله تعالى: (إنما يتقبل الله ومن