فنص (عليه السلام) على إدارة الأول دون الثاني فقط دفعا لتخصيصه بالثاني وإشارة إلى أكمل أفراده مع الايماء إلى أن الذكر اللساني بدون الذكر القلبي ذكر يثاب به. وقال بعض أرباب القلوب ذكر اللسان مع خلو القلب عنه لا يخلو من فائدة لأنه يمنعه من التكلم باللغو ويجعل لسانه معتادا بالخير، وقد يلقى الشيطان إليه أن حركة اللسان بدون توجه القلب عبث ينبغي تركه; فالائق بحال الذكر أن يحضره قلبه حينئذ رغما للشيطان ولو لم يحضره فالائق به أن لا يترك ذكر اللسان رغما لأنفه أيضا وأن يجيبه بأن اللسان آلة للذكر كالقلب ولا يترك أحدهما بترك الاخر فإن لكل عضو عبادة، وأعلم أن الذكر القلبي من أعظم علامات المحبة لأن من أحب أحدا ذكره دايما أو غالبا، وأن أصل الذكر عند الطاعة والمعصية سبب لفعل الطاعة وترك المعصية وهما سببان لزيادة الذكر ورسوخه، وهكذا يتبادلان إلى أن يستولى المذكور وهو الله سبحانه على القلب ويتجلى فيه.
فالذاكر حينئذ يحبه حبا شديدا ويغفل عن جميع ما سواه حتى عن نفسه إذ الحب المفرط يمنع من مشاهدة غير المحبوب وهذا المقام يسمونه مقام الفناء في الله، والواصل إلى هذا المقام لا يرى في الوجود إلا هو، وهذا معنى وحدة الوجود لا بمعنى أنه تعالى متحد مع الكل لأنه محال (1) وزندقة بل بمعنى أن الموجود في نظر الفاني هو لا غيره لأنه تجاوز عن عالم الكثرة وجعله وراء ظهره وغفل عنه فإنهم.