يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي، فلا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعلمونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتبعوا أنفسهم وأفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم وجناتي ورفيع درجات العلى في جواري ولكن فبرحمتي فليثقوا وبفضلي فليفرحوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، فإن رحمتي عند ذلك تداركهم، مني يبلغهم رضواني ومغفرتي، تلبسهم عفوي فإني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت.
* الشرح قوله: (قال الله عز وجل ان ما عبادي المؤمنين عبادا لا يصلح أمر دينهم إلا بالغنى والسعة والصحة في البدن فأبلوهم بالغنى والسعة وصحة البدن فيصلح عليهم أمر دينهم) الدنيا والامتحان. فيختبر الغنى بالغنى ليرى أنه يشكره أم يكفره، ولعله بأنه أصلح لدينه، ويختبر الفقير بالفقر ليختبره بأنه يصبر أم يشكو ولعلمه بأنه أصلح لدينه، ووجوه الابتلاء والاختبار متكثرة وطرق الامتحان متعددة، والله تعالى عالم يبلو كل أحد بما هو أصلح له فلو اختبر الغنى بالفقر أو العكس لفسد دينهما وقس عليها.
(وهو ماقت لنفسه زارئ عليها) أي مبغض لها معيب ومعاتب عليها لتقصيرها في العبادة، وتركها بالنوم وهذا مع كونه دافعا للعجب من أعظم العبادات.
(ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب) وهو ابتهاج الإنسان وسروره بتصور الكمال في نفسه واستعظامه إياه لا من حيث أنه من عطاياه تعالى ونعمائه عليه مع طلب زيادته، والخوف من نقصه أو زواله، بل من حيث أنه وصف له موجب لعلو قدره ورفع درجته وسمو مرتبته وخروجه عن حد النقص والتقصير مع الغفلة عن قياس نفسه إلى الغير بكونه أكمل وأفضل منه، وبهذا القيد ينفصل عن الكبر إذ لابد فيه أن يرى لنفسه مرتبة، وللغير مرتبة ثم يرى مرتبته فوق مرتبة غيره، والعجب من أعظم الذنوب المهلكة حتى روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال «لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب» وفيه دلالة على أنه تعالى قد يبلوا العبد بالذنب ليدفع عنه العجب.
(فلا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي) وإن كانت حسنة تامة الأركان والأفعال