وعن الاضطراب إلى الاطمينان بقوله:
(فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره) فإن أمر الرزق ليس بيد أحد حتى يسوقه إليه عند حرصه أو ترده عند كراهته بل هو بيده تعالى يوصله إلى عباده على حسب ما يقتضيه المصلحة من الزيادة والنقصان، ويحتمل أن يكون المراد أن الرزق لا يسوقه إلى أحد حرص حريص ولا يرده عنه كراهة كاره فينبغي أن لا يذم الخلق بالرد والمنع. ويؤيده ما روى من طرق العامة «أن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص ولا يرده عنك كراهة كاره».
(لو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لا دركه رزقه كما يدركه الموت) بالغ به في أن رزق كل أحد كموته بيده تعالى يوصله إليه قطعا أراده أو كرهه لأن الحكيم القادر إذا جعل الوجود موقوفا على الرزق يمتنع عليه أن يقطع الرزق مع تحقق الوجود بل وجب عليه إيصاله، وإن لم يكن المرزوق عالما بطرقه ومنه ينشأ الاضطراب والهم والحزن، ويحرك إلى السؤال والذم والدافع له هو اليقين والرضا عنه تعالى ولذلك حث على طلبهما للظفر بالروح في القلب والتخلص من الاضطراب وبالراحة في البدن والتنزه من ذل السؤال وخسائس الإكتساب بقوله:
(ثم قال إن الله بعدله وقسطه) العطف للتفسير (جعل الروح والراحة) أي راحة القلب وسكونه عن الاضطراب وراحة البدن وفراغه من الاعقاب.
(في اليقين والرضا) فإن الموقن بالله وبصفاته العظمى والراضي عنه بالمنع والإعطاء يطمئن قلبه عن التردد والتلون، ويفرغ عن الاعتماد والتحزن وينقلع عن علقة الأسباب ويقول توكله على رب الأرباب فيستريح عن تصادم الهموم والاضطراب ويتخلص عن تراكم الغموم والاكتساب لتيقنه بأن رزقه يصل إليه ضمنه عادل حكيم ثم عكس ذلك تأكيدا بقوله (وجعل الهم والحزن) الهم الغم المقلق للنفس أو الغم في تحصيل المطلوب عند صعوبته خوفا من فواته، والحزن غم يصيب الإنسان بعد فوات المحبوب.
(في الشك والسخط) لأن الشك يوجب تردد القلب وانزعاجه وتلونه واضطرابه من تجاذب الأسباب وغفلته عن تقدير رب الأرباب وكل ذلك يوقعه في الهم والحزن والعذاب وكذا سخط القلب بالمقسوم وعدم الرضا به يوقعه في الهم والحزن والغموم ولذلك قيل:
ما العيش إلا في الرضا والصبر في حكم * القضاء * ما بات من عدم الرضا إلا على جمر الغضاء