وحقه الذي اشترك فيه المؤمنون كلهم (1) اليقين حتى كأنه يعاينه كما أخير حارثة بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه مؤمن حقا وادعى حقيقة الإيمان فطالبه بامارات تلك الحقيقة التي ادعى بلوغها. فقالوا عزفت نفسي عن الدنيا إلى آخر ما ذكره، وما كان هذا الحديث إلا كما روى أن أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان، فلو كان المراد الإعتقاد بأن الله معهم أينما كانوا علمأ وإحاطة لم يكن للتفضيل معنى وفائدة لإشتراك الكل فيه فلابد من أن يراد بلوغ صاحب هذا الإيمان غاية يفضل بها على غيره فكذا المراد هنا أن أحدا لا يجد طعم الإيمان وحقيقته حتى ينتهى إلى غاية يعلم بها يقينا كالعين ان ما أصابه من خير وشر ونفع وضر لم يكن ليخطئه أي يجاوزه إلى غيره، وما أخطأه - أي جاوزه - إلى غيره لم يكن قط ليصيبه ولا يعرف بلوغ العبد إلى حقيقة هذا الإيمان والعلم إلا بظهور أماراته له ولغيره كما أبان حارثة أمارات ما ادعى من حقيقة إيمانه فيسلم له ويقف هو عند علمه ومن أمارات من بلغ حقيقة هذا اليقين والإيمان أنه يسكن عن طلب الدنيا وثمراتها، وعن التشرف إلى منافعها وزهراتها، وتعذيب القلب والخاطر بانتظارها وتمنيها ثقة بأن ما قسم له منها لا يجاوزه وما جاوزه إلى غيره لا يصيبه فيطمئن قلبه ويرضى بسابق قسمته له فلا يحرص في طلب المنافع ولا يتوجه قلبه إليها كأنه يخاف فيها منع مانع، ولا يتحرك في أسبابها إلا أن يتوجه إليه أمر المولى كقوله: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه» فالظاهر منه متحرك والباطن ساكن مطمئن موقن بأنه لا بد من كون جميع ما قدر الله كونه وإمضاءه. ومن لم يبلغ هذه المرتبة فعليه الصبر على ما يكره فإن فيه خيرا لعله
(١٩٠)