شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ١٩٠
وحقه الذي اشترك فيه المؤمنون كلهم (1) اليقين حتى كأنه يعاينه كما أخير حارثة بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه مؤمن حقا وادعى حقيقة الإيمان فطالبه بامارات تلك الحقيقة التي ادعى بلوغها. فقالوا عزفت نفسي عن الدنيا إلى آخر ما ذكره، وما كان هذا الحديث إلا كما روى أن أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان، فلو كان المراد الإعتقاد بأن الله معهم أينما كانوا علمأ وإحاطة لم يكن للتفضيل معنى وفائدة لإشتراك الكل فيه فلابد من أن يراد بلوغ صاحب هذا الإيمان غاية يفضل بها على غيره فكذا المراد هنا أن أحدا لا يجد طعم الإيمان وحقيقته حتى ينتهى إلى غاية يعلم بها يقينا كالعين ان ما أصابه من خير وشر ونفع وضر لم يكن ليخطئه أي يجاوزه إلى غيره، وما أخطأه - أي جاوزه - إلى غيره لم يكن قط ليصيبه ولا يعرف بلوغ العبد إلى حقيقة هذا الإيمان والعلم إلا بظهور أماراته له ولغيره كما أبان حارثة أمارات ما ادعى من حقيقة إيمانه فيسلم له ويقف هو عند علمه ومن أمارات من بلغ حقيقة هذا اليقين والإيمان أنه يسكن عن طلب الدنيا وثمراتها، وعن التشرف إلى منافعها وزهراتها، وتعذيب القلب والخاطر بانتظارها وتمنيها ثقة بأن ما قسم له منها لا يجاوزه وما جاوزه إلى غيره لا يصيبه فيطمئن قلبه ويرضى بسابق قسمته له فلا يحرص في طلب المنافع ولا يتوجه قلبه إليها كأنه يخاف فيها منع مانع، ولا يتحرك في أسبابها إلا أن يتوجه إليه أمر المولى كقوله: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه» فالظاهر منه متحرك والباطن ساكن مطمئن موقن بأنه لا بد من كون جميع ما قدر الله كونه وإمضاءه. ومن لم يبلغ هذه المرتبة فعليه الصبر على ما يكره فإن فيه خيرا لعله

١ - قوله «اشترك فيه المؤمنون كلهم» قد سبق منا مرارا خصوصا في مقدمة الكتاب أن اليقين بالمعني الذي ذكره الشارح أو لا وهو التصديق الثابت الجازم المطابق للواقع معنى واحد لا يقبل الشدة والضعف بنفسه وهو مناط الإيمان والإسلام إذ لم يحكم أحد من علماء المسلمين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا باسلام من يظن صدق رسول الله تعالى، وإنما يحكم بما يدل على يقينه وعلمه المانع من احتمال النقيض فلا بد أن يلتزم بتأويل ما يوهم خلاف ذلك والأظهر أن يحمل الدرجات والمراتب على درجات تغليب العقل على الوهم. إذ قد يتفق أن يعلم الإنسان شيئا علما يقينا ولكن يعارضه وهمه كمن يعلم بعقله أن الميت جماد لا يخاف ولكن يخاف منه بوهمه ومن يعلم أن الباطلة توجب الحرمان والفقر ولا يبالي به لمعارضة وهمه والمؤمن يجب أن لا يعتني بوهمه بكل حال ويغلب عليه، ويلتزم بلوازم يقينه ومثال علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين يشير إلى هذا التأويل فإن الذي يعلم بوجود النار، والذي يراها بعينه كلاهما عالمان. لا يحتمل عندهما عدم وجود النار لكن العين بابصارها تغلب على الوهم غلبة لا تحصل من العلم. والذي ماس النار وأدرك ألم الحدق يجتنب عنها أكثر ممن لم يدركه وهذا حاصل بالتجربة في أفراد الناس، وفي أمثالنا ما معناه لسيع الحية يخاف من الحبل وذكرنا هناك تأويلا آخر ينطبق على كثير من الروايات. (ش)
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب طينة المؤمن والكافر 3
2 باب آخر منه 15
3 باب آخر منه 21
4 باب 32
5 باب 35
6 باب 36
7 باب 42
8 باب 43
9 باب 44
10 باب 46
11 باب الإخلاص 49
12 باب الشرائع 57
13 باب دعائم الإسلام 61
14 باب 74
15 باب آخر منه 85
16 باب 87
17 باب 101
18 باب السبق إلى الإيمان 121
19 باب درجات الإيمان 130
20 باب آخر منه 135
21 باب نسبة الإسلام 138
22 باب خصال المؤمن 143
23 باب 151
24 باب صفة الإيمان 159
25 باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان 163
26 باب حقيقة الإيمان واليقين 168
27 باب التفكر 174
28 باب المكارم 178
29 باب فضل اليقين 186
30 باب الرضا بالقضاء 196
31 باب 206
32 باب حسن الظن بالله عز وجل 227
33 باب الطاعة والتقوى 235
34 باب العفة 251
35 باب اجتناب المحارم 253
36 باب أداء الفرائض 257
37 باب استواء العمل والمداومة عليه 259
38 باب العبادة 261
39 باب النية 265
40 باب 269
41 باب الإقتصاد في العبادة 271
42 باب 274
43 باب الصبر 277
44 باب الشكر 291
45 باب حسن الخلق 303
46 باب حسن البشر 312
47 باب الحياء 317
48 باب العفو 319
49 باب كظم الغيظ 323
50 باب الحلم 328
51 باب الصمت وحفظ اللسان 333
52 باب المداراة 343
53 باب الرفق 347
54 باب التواضع 354
55 باب 363
56 باب ذم الدنيا والزهد فيها 372
57 باب باب القناعة 407
58 باب الكفاف 412
59 باب تعجيل فعل الخير 415
60 باب الإنصاف والعدل 419
61 استدراك 428