* الشرح قوله: (التفكر يدعوا إلى البر والعمل به) لأن التفكر سراج القلب يرى به المتفكر خيره وشره ومنافعه ومضاره وكل قلب لا فكر فيه فهو مظلم لا يرى إلى البر دليلا ولا إلى العمل سبيلا، ومن التفكر أن يتفكر لأي شيء خلق ومن أين جاء وإلى أين يقصد ولأي شيء أنزل في هذا المنزل، وفيها سعادته وشقاوته فإن هذا التفكر أشد جاذب له إلى البر والعمل به، ومنه أن يتفكر في قوله تعالى: (أو لم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم - الآية» إلى غيرها من الآيات الدالة على الترغيب في التفكر فإن التفكر فيها أقوى زاجر له عن الدنيا وأكمل داع إلى البر والعمل به للآخرة إذ من تفكر في أحوال الماضين من الرعايا والسلاطين وأعمالهم وأخبارهم وآثارهم وتفكر في أنهم بنوا ما لم يسكنوا وجمعوا ما لم يأكلوا وسعوا فيما لم ينتفعوا وفي أنهم كم تركوا في أنهم بنوا ما لم يسكنوا وجمعوا ما لم يأكلوا وسعوا فيما لم ينتفعوا وفي أنهم كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين تبرد الدنيا وما فيها عنده، وأشرق قلبه بنور ربه حتى رأى بعين البصيرة أحوال الآخرة ومقاماتها ورغبت نفسه عن قنيات الدنيا وزهراتها ومال إلى حضرة الحق والجلال واشتاق إلى كأس القرب والوصال، وعلم أن ذلك لا يحصل إلا بالبر والعلم فعلم أن التفكر يدعو إليهما، نعم ما قيل:
ولم أر كالأيام للمرء واعظا * ولا كصروف الدهر للمرء هاديا لعمرك يما يدري الفتى كيف يتقى * إذا هو لم يجعل له الله واقيا وأحسن فإن للمرء لابد ميت * وإنك قد تجزى بما كنت ساعيا ومنه أن يتفكر في معاني آيات القرآن عند تلاوته فإذا بلغ آيات الصفات مثل العزيز والحكيم والقدوس يتأمل في أسراره، وإذا بلغ آيات الأفعال مثل خلق السماوات والأرض يتأمل في عظمة الخالق، وكمال عمله وقدرته، وعلى هذا فإنه يحصل له بذلك الانقطاع عن الدنيا وملكة الميل إلى البر والعمل به.