يوصله إلى غاية مقام اليقين والرضا. قال بعض الأكابر: لله عباد لا يرضون له منهم بالصبر على ما قدر وقضى بل يتلقون أمر أحكامه باليقين والمحبة والرضا.
* الأصل 5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين صلوان الله عليه جلس إلى حائط مائل، يقضي بين الناس فقال: بعضهم، لا تقعد تحت هذا الحائط، فإنه معور فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): حرس امرء أجله فلما قام سقط الحائط قال: وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) مما يفعل هذا وأشباهه وهذا اليقين.
* الشرح قوله: (فإنه معور) بضم الميم وسكون العين وكسر الواو أي ذو عوار يفتح العين وضمها يعنى فيه عيب وخلل يخاف منه القطع والهدم.
(حرس أمرء أجله) امرء مرفوع على الفاعلين وأجله منصوب على المفعولية والعكس محتمل والمقصود الإنكار لأن أجل المرء ليس بيده حتى يحرسه.
(وهذا اليقين) بالقدر فإنه يسكن النفس في مثل هذه المواضع لعلمه يقينا بأن كل ما قد وقوعه فهو واقع فلا ينفع الفرار منه وكل ما قدر عدم وقوعه فهو غير واقع فلا يضر عدم الفرار.
لا يقال: لعل تقدير عدم وقوع الحائط عليه مثلا مشروط بالفرار طلبا فيجب الفرار طلبا للقدر وتحرزا عن الهلاك.
لأنا نقول الفرار وعدمه أيضا داخلان في التقدير، ومن جملة المقدر فإن كان المقدر هو الفرار.
وقع قطعا وإن كان عدمه لم يقع. فإن قلت: لا معنى حينئذ للتكليف بالفرار. قلت: التكليف به تكليف بالمقدور التكليف بالمقدر أيضا مقدر فهو واقع على أنه يمكن أن يقال مناط التكليف به إمكانه في ذاته، أو التكليف به مختص بغير الموقن لأن الموقن يتوكل على الله، ويفوض أمره إلى فيقيه عن كل مكروه كما قال عز وجل (أليس الله بكاف عبده» وكما قال مؤمن آل فرعون (وأفوض أميري إلى الله إن الله يصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا» وسر ذلك أن المؤمن الموقن المتوكل المفوض امره إلى الله إذا بلغ إيمانه وإيقانه وتوكله وتفويضه حد الكمال لا ينظر إلى الأسباب والوسائط في النفع والضر ولا يتعلق قلبه بها أصلا وإنما كان نظره إلى مسبب الأسباب وتعلق قلبه به وحده وأما من لم يبلغ حد الكمال ولم يغلب عليه مشاهدة اليقين كآحاد المؤمنين فإنه يخاطب بالفرار قضاء لحق الوسائط. هذا الذي ذكرنا من باب الاحتمال والله أعلم بحقيقة الحال.