ابن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد الحناط وعبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله ولا يلومهم على ما لم يؤته الله، فان الرزق لا يسوقه حرص وحريص ولا يرده كراهية كاره، ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت، ثم قال: إن الله بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
* الشرح (قال من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضى الناس بسخط الله) ليس كل من يدعى اليقين له يقين صحيح صادق مستمر بل لصحته وثبوته وكونه ملكة علامات، ومن علامات صحته أن لا يرضى الناس أبدا بما يوجب سخط الله تعالى وغضبه عليه كما هو فعل غير موقن فإنه يقول ما يوافق طبع الناس ويعمل ما فيه رضاهم وإن كان فيه سخط الرب لئلا يفوت مقاصده المأمولة منهم، أو لغير ذلك من الاغراض الفاسدة فيترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجالس الفاسقين والظالمين، ويساهل معهم ويميل إلى ما هو مستحسن في طباعهم المعوجة ولا يعلم أن أقل ما يفعل الله تعالى بمن جعل رجاه فداء لرضا غيره وسخطه فداء لسخط خلقه بعد مقته هو أن يضرب على قلبه ذل الحجاب وأن يقلب قلب من طلب رضاه ببغضه إياه كما روى من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس بخلاف الموقن فإنه لما كانت ثقته بالحق وإعتماده على لطفه وإحسانه مع يقينه بأن الخلق مقهورون مضطرون وأن قلوبهم بيده يتصرف فيها ما يشاء كان صليبا في الدين قايما على اليقين يقول الحق ويأمر به وينهى عن الباطل ويزجر عنه ويفر مما فيه رضى الله وسخط الرب ولا يبالي أن ذلك بوجب سخطهم ومنعهم لعلمه بأن حصول المقاصد ووصول الارزاق من عند الله تعالى.
(ولا يلومهم على ما لم يؤته الله) أي ولا يذمهم على ما لم يؤته الله تعالى من الرزق وهو ما يحتاج إليه وينتفع به في التعيش والبقاء وفي اختصاصه بالحلال أو شموله للحرام أيضا خلاف مذكور في موضعه والنهي عن الذم لوجوده:
الأول: أن ذمهم ظلم لهم لأنهم لم يمنعوه بل الله لم يؤته ما طلب منهم.
الثاني: أن ذمهم ينتهي إلى الله لأنه انما يذم المانع من الإعطاء ولا معطى ولا مانع إلا الله فيرجع الذم إليه.
الثالث: إن ذمه المانع من الخلق شرك لأنها اعتقد أنهم مانع له فذمه فأشرك في المنع مع الله غيره، ألا ترى كيف رده عن هذا الشرك إلى التوحيد وعن الجهل إلى العلم وعن الشك إلى اليقين